تقدَّمتِ الإشارَةُ غيرَ مرَّةٍ إلى أنَّ حاجاتِ النَّاسِ لا تتناهَى، والمُستجِدَّاتِ لا تنقطِعُ، من أجلِ ذلكَ جاءَتْ أحكامُ شريعَةِ الإسلامِ فيما يتعلَّقُ بالحوادِثِ مُقنَّنَةً على صفَةِ تُناسبُ أن تُستفادَ منها الحُلولُ لأيِّ أمرٍ طاريءٍ يتَّصلُ بمصالحِ المُكلَّفينَ، وتلكَ القوانِينُ مُتمَثِّلَةٌ بأدلَّة الشَّريعَةِ المُستوعِبَةِ الشَّاملةِ، وهي بينَ نُصوصٍ عامَّةٍ لا تختصُّ بواقِعَةٍ، أو قواعدَ عامَّةٍ، يُمكنُ أن يستَعملهَا الفقيهُ لجميعِ العوارِضِ، فيجِدَ لها الأحكامَ المُناسبَةَ.
فلِعلَّةِ بقاءِ الحوادِثِ وحاجَةِ المُكلَّفينَ إلى معرفَةِ أحكامِ دينهِم فيها فإنَّه يجبُ أن يكونَ فيهمْ من يُحقِّقُ الكِفايَةَ لهُم في ذلكَ، وهذا هوَ قولُه عزَّوجلَّ:[التوبة: ١٢٢] .
والأمَّةُ ونبيُّها - صلى الله عليه وسلم - بينَ أظهُرِهَا كانَ إليه مرجِعُهَا، فكانَ الحُكمُ ينزلُ من السَّماءِ، أو يقعُ باجتهَادِ رَسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيُسدِّدَهُ الله تعالى فيهِ، فلمَّا ماتَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - صارَ مرجِع النَّاسِ بعدهُ إلى عُلمائِهمْ والفُقهاءِ فيهم يُبيِّنُونَ لهُم ما أشكلَ، ويُجيبُونَهُم عمَّا أعْضلَ، ولم يزلْ تاريخُ الأمَّةِ شاهدًا على استِمرارِ وُجودِ أهلِ الاجتهادِ فيهَا، وإن كانَ يقصُرُ ذلكَ في أحيانٍ لكنَّهُ لم يُعدَم، فالاجتهادُ باقٍ ما بقيتِ الحاجَةُ إليهِ، وإيجادُ