مقاصدُ الشَّريعةِ هي الأغراضُ الَّتي لأجلِهَا شرعَ اللهُ الشَّرائعَ، وليسَ يخلُو شيءٌ شرعَهُ الله من غرضٍ أُريدَ بهِ، وما منْ شيءٍ من تلكَ الأغراضِ إلاَّ وهو عائدٌ على المُكلَّفِ بالنَّفعِ والمصلحَةِ، وذلكَ مُتحققٌّ لهُ في الدُّنيَا أوفي الآخرَةِ، أو في الدَّارينِ جميعًا، وكلُّهُ من رحمةِ الله تعالى بهِ وإرادتِهِ الخيرَ لهُ، فالَّذي خلقهُ وصوَّرهُ وشقَّ سمعَهُ وبصرَهُ أعلمُ بما يُصلحُهُ وينفعهُ، بلْ هوَ أعلمُ به حتَّى من نفسِهِ:{أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ}[الملك: ١٤] .
ولا يخفَى أنَّ التكليفَ لا يخلُوا من مشقَّةٍ ورادةٍ على المكلَّف بامتثالهِ، لكنَّ تلك المشقَّة محتملةٌ مقدورٌ عليها كما قال تعالى:{لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا}[البقرة: ٢٨٦] ، ولِذا فإنَّه حينَ يصلُ به الحالُ في بلُوغِ تلك المشقَّةِ ما لا يُحتملُ فإنَّ التَّكليفَ يسقُطُ، ثمَّ إنَّ المشقَّة المقدور عليها يحتملهَا المكلَّف رجاءَ المصلحةِ الَّتي تربُو في نفعِها لهُ على تلكَ المشقَّةِ، وهذا في الحقيقةِ احتمالٌ للضَّررِ المرجوحِ لتحصيلِ المنفعةِ الرَّاجحة.
وتأمَّل مثالَهُ في قوله عزَّوجلَّ في فرضِ الجهادِ: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ