"طريقُ نقلِ السُّنَّةِ يختلفُ عن الطَّريق الَّذي نُقل به القرآن، فإنَّ القرآن لقيَ أعظَمَ العنايَةِ من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابهِ، فكانَ لا يتلوهُ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بعدما ينزلُ عليه به جبريلُ عليه السَّلامُ إلاَّ وتلقَّفهُ الكاتبونَ الأمناءُ المعدَّلونَ من قبلِ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وكان النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يتلوهُ على أصحابهِ في مواعظِهِ وخُطبهِ ومجالسِه وصلوَاتِه فيسمعُهُ الخاصُّ والعامُّ، وهو يحثُّهم على أخذهِ وحفظِهِ، فلمَّا مات- صلى الله عليه وسلم - جُمع المكتوبُ وقورِن بالمحفوظِ وحُصرَ بالمصاحفِ، ورأى أئمَّةُ الصَّحابةِ كالخُلفاءِ الرَّاشدينَ أنَّ ضبطَ ذلك من مسؤوليَّة الأمَّةِ العُظمَى، فنُشرتِ المصاحفُ بعدَ ضَبْطِهَا وشاعتْ في الأمصارِ، والحُفَّاظُ له المعتنونَ به لم يدخُلو بعدَ ذلك تحتَ حصرِ حاصرٍ، وأسانيدُ النَّقلِ لهُكثيرةٌ لم يكُن يخلُ منها مصرٌ من أمصارِ المسلمين على اتِّساعهَا.
أمَّا السُّنَّةُ؛ فإنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - لم يكُن أذنَ في كتابِتهَا خشةَ اختلاطِهَا بالقرآنِ لأنَّهُ لم يكُن بعدُ قد جُمعَ وحُصرَ بالمصاحفِ، وإنَّما أذنَ لبعضِ أصحابهِ بذلكَ، وبقيَ أمرُ حفظِهَا إلى من يقصدُ الاعتناءَ بذلكَ من أصحابِهِ، كما وقعَ من أبي هريرةَ رضي الله عنهُ وغيره، وربَّما كانَ الصَّحابيُّ سمعَ الحديثَ من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في موضعٍ لم يكنْ فيهِ