أمُّ يعقوبَ، فجاءتْ فقالتْ: إنَّهُ بلغني أنَّك لعنْتَ كيتَ وكيتَ، فقالَ: ومالي لا ألعنُ من لعنَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومن هُو في كتابِ الله؟ فقالتْ: لقد قرأتُ ما بينَ اللَّوحينِ فما وجدتُ فيه ما تقولُ، قال: لئنْ كُنتِ قرأتِهِ لقدْ وجدتيهِ، أما قرأتِ؟ :{وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} ؟ قالتْ بلَى، قال: فإنَّهُ قد نهَى عنهُ، قالتْ: فإنِّي أرى أهلكَ يفعلونهُ، قال: فاذهبي فانظُري، فذهبتْ فنظرَتْ فلمْ ترَ من حاجتها شيئًا، فقال: لو كانتْ كذلك ما جامعتْنَا.
٥ـ مٌضيُّ سبيلِ المؤمنينَ على الاحتجَاجِ بالسُّننِ المرويَّةِ عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في إثباتِ شرائعِ الدِّينِ كالقُرآن وهي عندهُم شَطْرُهُ تحت مسمَّى الوحي، ولذلك يمنعونَ الاجتهادَ في قضيَّةٍ فصلتْ فيها كما يمنعونَ الاجتهادَ عندَ ورودِ القرآنِ بفصْلهَا، وكانَ من حادَ عنها عندَهُم بعدَ العلمِ بها زائغًا عن الهُدَى كما يصفونَ بذلكَ من حادَ عن القرآنِ، وكانَ الفرقُ عندَهُم بين الشَّرعِ والإحداثِ يتميَّزُ بمُخالفَةِ السُّنن، ولِذا أصْبحَتِ (السُّنَّةُ) مقابلةً لـ (البِدعَة) .
وهذا معنى يطولُ استقصاؤهُ، وقدْ جُرِّدتْ فيه كتبٌ كثيرةٌ قُصدَ فيها إبطالُ مقالةِ من أسقطَ الاستدلالَ بالسُّننِ أو أضْعفَ شأْنَهَا من أصحابِ البِدَعِ.