إنَّ الحمد لله؛ نحمدُه ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذبالله من شرورِ أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهدِه الله فلا مضلَّ له، ومن يضلل فلا هاديَ له، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهدُ أنَّ محمَّدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد:
فإنَّ شرف العلمِ لا يخفى، وهو درجاتٌ ومنازلُ تعرفُ بما تتَّصلُ به، فسمُوُّها من سُمُوِّه، وقدْرها من قدْرهِ، فلذا كان أعلاها علومَ الدِّين التي تُدركُ بها معانيه وأسرارُه، وإنما شرُفتْ وعظُم قدْرُها لصِلتها بالله ربِّ العالمين، فهي العلومُ الموصلَةُ في الحقيقةِ إليهِ، وهذا معنى أكبرُ من علُوم الشَّريعةِ المقنَّنةِ بالاصطلاحِ، بل هو شاملٌ لما يُحقِّق من العلومِ أسبابَ الوُصولِ إلى الله عزَّوجلَّ، فيندرجُ تحتهُ كلُّ علمٍ أدَّى إلى هذه الحقيقةِ وإن أُلصِقَ بالدُّنيا في عرفِ النَّاسِ، لكن من العلمِ ما يصيرُ إلى هذه الحقيقةِ بالمقاصِدِ والنِّيَّات، ومنه ما هو من هذه الحقيقةِ بأصلهِ، كالعومِ التي يُدركُ بها مرادُالله ورسولهِ - صلى الله عليه وسلم -، فهذه علومٌ باقيةٌ كطريقٍ موصلٍ إلى الله وإن فسدتْ في طلبها النِّيَّاتُ