الأفعالُ النَّبويَّة الَّتي أُريد بها التَّشريعُ للأمَّةِ، ويُعرفُ كونُها أُريد بها التَّشريع بقرينةٍ تدلُّ على ذلك، وهذا على العكسِ من الأصل في الأقوالِ النَّبويَّة، والسَّببُ أنَّ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - كغيرهِ من البشرِ له من الحركةِ والتَّصرُّف ما لهم، والأصلُ في الإنسانِ أنَّهُ (حيٌّ متحرِّكٌ) ، وتلك حركةٌ غالبَةٌ في العادةِ لحركةٍ يُقصدُ بها التَّوجيهُ والتَّعليمُ، والبشرُ يفعلونها بالضَّرورة من غير توقُّفٍ على وحيٍ يُرشدُهُم إليها ويُعلِّمهُم إيَّاها، فكان الأصلُ أن تكونَ الحركاتُ النَّبويَّةُ من هذا القبيلِ حتَّى يوجدَ ما يدلُّ على إرادةِ التَّشريعِ.
وفهمُ ذلكَ يحتاجُ إلى تصوُّرِ أنواعِ الأفعالِ النَّبويَّةِ، فإليكهَا:
١ـ ما وقع من الأفعالِ امتثالاً منهُ - صلى الله عليه وسلم - لما أُمرَ به كسائرِ أُمَّتِه، مثلُ إقامتهِ الصَّلاة وصومِهِ رمضانَ وحجِّه البيتَ، ونحوهَا، فهذه أفعالٌ تساوَى فيها مع غيرِهِ من المكلَّفين، فليستْ داخلةً فيما يُقالُ: قُصدَ به التَّشريعُ، بلْ يُقالُ قصِدَ به الامتثالُ.
٢ـ ما وقعَ من الأفعالِ جبِلَّةً بحكمِ بشريَّتِهِ - صلى الله عليه وسلم -، من قيامٍ وقعودٍ ونومٍ وركوبٍ وسفرٍ وإقامةٍ ومشيٍ وأكلٍ وشربٍ ولبسٍ وقضاءِ حاجَةٍ ونحو ذلكَ ممَّا تجري به عادةُ البشرِ، ومنهُ ما يحبُّهُ أو يكرهُهُ