والرِّضا؟ فأمسكْتُ عن الكتابِ، فذكرتْ ذلكَ لِرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأوْمأَ بأُصبُعِهِ إلى فيهِ، فقال:((اكتُبْ فوالَّذي نفسيِ بِيدِهِ ما يخرُجُ منهُ إلاَّ حقٌّ)) [أخرجهُ أبوداود وغيرُهُ] .
وقد يقولُ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - القولَ لا يُريدُ به التَّشريعَ، لكن لا طريقَ إلى ادِّعاء ذلك إلاَّبأن يقومَ دليلٌ صريحٌ يفيدُ أنَّ ذلكَ القولَ لم يُقصدْ به التَّشريعُ، ويقعُ مثالاً لهذا القصَّة المشهورةُ بقصَّة تأبيرِ النَّخلِ، فقد رواها عن النَّبي - صلى الله عليه وسلم - جماعةٌ، وألفاظُ أحاديثهم تُفسِّرُ بعضهَا، وأكثرُها وُضوحًا روايةُ من كان مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في تلكَ القصَّة طلحَةَ بن عُبيدِالله رضي الله عنه، فإنه قال: مررتُ مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقومٍ على رؤوسِ النَّخلِ، فقال:((ما يصنعُ هؤلاءِ؟)) فقالوا: يُلقِّحونهُ، يجعلونَ الذَّكر في الأنثى فيلقحُ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ما أظنُّ يُغني ذلك شيئًا)) قال: فأُخبرُوا بذلك فتركوهُ، فأُخبرَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بذلك فقال:((إن كانَ ينفعُهُم ذلكَ فليصنَعوهُ، فإنِّي إنَّما ظننتُ ظنًّا فلا تُؤاخذُوني بالظَّنِّ، ولكن إذا حدَّثْتُكمْ عن الله شيئًا فخذُوا به، فإنِّي لن أكذِب على الله عزَّوجلَّ)) [أخرجه مسلمٌ وغيرُه] .
فهذه الرِّوايةُ من أحسنِ ما يُزيلُ الشُّبهَة بهذه القصَّة، وفيها أنَّ ما وقعَ منه - صلى الله عليه وسلم - كان صريحًا في كونِهِ رأيَ نفسِهِ، فإنَّ إخبارَهُ عن أحكامِ الله تعالى لا يكونُ بصيغةِ الظَّنِّ.