غيرهُ وآخرُ سمعهُ مع آخرينَ ولكن لم يكُن الحملُ كالأداء، فرُبَّما نسيَ بعضُ أولئكَ الحديثَ، وربَّما لم ينشطُوا لأدائهِ، وربَّما منعهُمْ من التَّحديثِ عارضٌ شغلَهُم عنه، كما حصلَ من كثيرٍ من كبارِ الصَّحابةِ كأبي بكرٍ وعُمرَ ومن ماتَ في عهدِهِما، فمع طولِ الصُّحبةِ لم يؤدُّوا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الحديثِ إلاَّ القليلَ لانشغالِهِم يومئذٍ بأمرِ تثبيتِ الدَّولةِ الإسلاميَّةِ والفُتوحِ، ولذَا ترى في الحديثِ المنقولِ عن صغارِ الصَّحابةِ ومن تأخَّر موتُه ما هو أضعافُ أضعافِ المنقولِ عن أولئكَ الكِبارِ.
نعمْ؛ لا يصحُّ اعتقادُ ضياعِ شيءٍ من السُّننِ، لأنَّ الله تباركَ وتعالى تعهَّدَ بحفظِ وحيِهِ لِيبقَى حُجَّةً ما بقيَ الخلقُ، وهذه قضيَّةٌ لبسطِهَا موضعٌ آخرُ، ولكنَّ الَّذي يعنِينا هُنا هوَ أنَّ الأسبابَ المتقدِّمَةَ ونحوَها جعلتْ نقلَ السُّنَّةِ دونَ نقلِ القرآنِ، ممَّا يقعُ بمثلهِ خفاءُ الحُجَّةِ في المسائلِ الشَّرعيَّةِ الواردَةِ في كثيرٍ من السُّننِ، ولذلكَ كان من أعظمِ أسبابِ اختلافِ الفُقهاءِ خفاءُ الحديثِ على الفقيهِ وعلمُ الآخرِ بهِ، وهذا لا يقعُ بالنِّسبةِ إلى القرآنِ، إنَّما اختلافُهُم في القرآنِ إنْ وقعَ فبِسببِ الدَّلالةِ لا الرِّوايةِ.
وعليهِ فإنَّ الفقيه مُضطرٌّ إلى البحثِ عن الأحاديثِ المرويَّةِ، ولمَّا كانتْ رِوايتهَا تقعُ بنقلِ الجماعةِ القليلةِ أو بنقلِ الفرْدِ فهوَ مُضطرٌّ للتثبُّتِ في صحَّةِ ذلكَ النَّقلِ، وهذا أمرٌ لا يحتاجُه بالنِّسبةِ إلى القرآنِ،