الأسوَدَ والأبيضَ إلاَّ فُلانًا وفُلانًا)) ناسًا سمَّاهم، فأنزل الله تباركَ وتعالَى:{وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ}[النحل:١٢٦] ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((نصْبِرُ ولاَ نُعَاقِبُ)) [أخرجه عبدُالله بن أحمد في ((زوائد
المسند)) ٥/١٣٥ بإسنادٍ جيِّدٍ، وبنحوهِ عندالتِّرمذيِّ والنَّسائي في التَّفسيرِ] .
وهذا النَّوعُ من التَّركِ لا تخفَى شرعيَّةُ الاقتِداءِ فيهِ.
٨ـ أن يترُك - صلى الله عليه وسلم - الشَّيءَ المطلوبَ دفعًا للمفسدَةِ الأكبرِ.
وهذا كالَّذي حدَّثتْ به عائشة رضي الله عنها: أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال لها:((يا عائشة، لولاَ أنَّ قومَكِ حديثُ عهدٍ بجاهليَّةٍ، لأمرتُ بالبيتِ فهُدِمَ، فأدْخلتُ فيه ما أُخرِجَ منهُ وألزَقْتُه بالأرضِ، وجعلتُ لهُ بابينِ بابًا شرقيًّا وبابًا غربيًّا، فبَلَغْتُ بهِ أساسَ إبراهيمِ)) [متفقٌ عليه] .
فهذا تركٌ منهُ - صلى الله عليه وسلم - خشيَةَ أن يقعَ بالفِعلِ مفسَدَةٌ تربُو على هذه المصلحَةِ، وقد فعلَ ذلكَ عبدُالله بن الزُّبيرِ في خلافَتِهِ ظنًّا منهٌُ أنَّ المحذُور قدْ زالَ، فلمَّا قُتلَ أعادَهُ بنُوأُميَّة كما كانَ، كما جاءَ ذلكَ في بعضِ رواياتِ مسلمٍ.
وهذا من التُّروكِ هديٌ عظيمٌ للعلماءِ والآمرينَ بالمعروفِ والنَّاهينَ عن المُنكرِ، أنْ يُقدِّرُوا في أفعالهم وتُروكهِم المصالحَ والمفاسدَ، فإنْ غلبَ ظنُّ جانبِ المفسَدَةِ بالفعلِ فالسُّنَّةُ التَّركُ، وإنْ