يظنُّ أنَّه قد هلكَ بذُنُوبه فتُنجيهِ بِطاقةٌ فيها (لا إله إلاَّ الله) ، وبأنَّ الميزانَ لهُ كِفَّتانِ، وأنَّ الصِّراطَ جسرٌ على ظهرِ الجَحيمِ أدقُّ من الشَّعرةِ وأحَدُّ من السَّيفِ، إلى غير ذلكَ من فُروعِ العقائِدِ، فإنَّ من بنى بعضَ دينِهِ على خبرِ الثِّقةِ الصَّادِقِ وصدَّقه فيه وردَّ بعضَهُ ما جرى في ذلكَ على قاعدَةِ العَدْلِ والإنصافِ، فإمَّا أن يُكذِّبَ المُخبرَ مطلقًا، وإمَّا أن يُصدِّقهُ مُطلقًا، وإمَّا أن يتوقَّف في تصديقِهِ وتكذيبِهِ مُطلقًا حتَّى يشهَدَ معهُ الشُّهُودُ الكثيرونَ الَّذين يتواردُونَ عليهِ من أنحاءٍ متفرِّقةٍ بحيثُ لا يتَواطَأُونَ على الكذِبِ!
وهذا المسلكُ في التَّفريقِ بين العقائدِ والشَّرائعِ بِدْعَةٌ دخيلةٌ، تأثَّرَ بها كثيرٌ من المتأخرينَ المُنتسبينَ للسُّنَّةِ، لأنهم وجدُوا أخبارَ الآحادِ توصفُ بالظَّنِّ، وهذا إطلاقٌ مُوهمٌ ليسَ بِجيِّدٍ، فإنَّ العلمَ يصحُّ فيه الاكتفاءُ بالدَّلائلِ الظَّاهرَةِ، وهوَ يتفاوتُ قوَّةً بحسبِ قوَّةِ البُرهَانِ وظُهورِهِ، وليسَ مُطلقُ الظَّنِّ مقبولاً، إنَّما يُقبلُ الظَّنُّ الرَّاجحُ إلى درجَةِ اليقينِ، وذلك لا يحصلُ في الأحاديثِ إلاَّ بشُروطٍ شديدَةٍ، ولكنْ كيف يُدركُ ذلك من أفنى عُمُرَهُ في الكلامِ في أُصولِ الفقهِ على طُرقِ أهلِ الكلامِ من غيرِ درايةٍ بمناهجِ أهلِ الحديثِ العارفينَ بهِ وجهُودِهم في تحقيقهِ وتنْقيحِهِ؟!
ولعلَّهُ من الجديرِ بالمُلاحظَةِ في هذه المسألةِ أن يُلغَى استخْدَامُ عبارةٍ (حديثُ الآحادِ يُفيدُ الظَّمِّ الرَّاجحَ) من غيرِ بيانٍ لحقيقةِ هذه