والفصْلُ في هذهِ القضيَّةِ يعودُ إلى تحديدِ ما هوَ عبادَةٌ محضَةٌ، وما يُعقلُ معناهُ وتُدركُ علَّتهُ، وهذا ممَّا يقعُ فيه الاختلافُ.
[٣] أن لا يكونَ حُكمًا مخْتصًّا بالأصلِ.
فاختصَاصُهُ بالأصلِ يمنعُ تعديتَهُ للفرعِ، كزيادَتِهِ - صلى الله عليه وسلم - في النِّكاحِ على أربعِ نسوةٍ، وتحريمِ نكاحِ نسائِهِ من بعدِهِ، ونحوِ قصَّةِ أبي بُردَةَ بنِ نيارٍ في الأضْحيَة حين قالَ للنَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: عِندِي جَذْعةٌ خيرٌ من مُسنَّة، فقالَ:((اذْبَحْهَا، ولنْ تًَجْزِيَ عن أحدٍ بعْدَكَ)) [متفقٌ عليه] .
[٤] أن لا يكونَ حُكمًا منسوخًا.
وهذا ظاهرٌ.
تنبيه: اشترطَ بعضُ العُلماءِ هُنا شَرطًا خامسًا، هوَ: أن لا يكونَ الأصلُ معدُولاً به عن القياسِ، ويُعبِّرُ البعضُ عن ذلكَ بقولِهِ:(علَى خلافِ القياسِ) .
وهذا في التَّحقيقِ شرطٌ فاسدٌ؛ لأنَّ صحَّةَ القياسِ إنَّما تُعرفُ بالنَّصِّ، فإذا ظُنَّ مجيءُ نصٍّ صحيحٍ على خلافِ القياسِ فذلكَ دليلٌ على فسادِ ذلكَ القياسِ، ولا يصْلُحُ نصبُ التَّعارضِ بين قياسٍ صحيحٍ ونصٍّ صحيحٍ لأنَّهُ غيرُ واردٍ، وإنِ ادُّعيَ وُجودُهُ فذلكَ في الذِّهنِ لا في نفسِ الأمرِ.