للحرجِ عنهُم، فإنَّ التَّكليفَ قدْ لا يُطاقُ، فخفَّفَ عنهُمْ، كما قال تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا} [النساء: ٢٨] ، فأباحَ لهُم المحرَّم عندَ الضَّرُورةِ، وأسقطَ عنهُم بعضَ ما افترَضَ عليهِم عندَ العجزِ أو ورودِ المشقَّة، فخفَّف في الصَّومِ عن المسافرِ والمريضِ والحاملِ والمُرضِعِ.
هذه المعاني وشِبْهُهَا هي حكمةُ التَّشريعِ، وقد يكونُ للتَّشريعِ الواحدِ حِكمٌ كثيرةٌ، فتأمَّلْ قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (٩٠) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} [المائدة: ٩٠ـ ٩١] .
لكنَّ الشَّريعةَ لم تُعلِّقِ الأحكامَ بحِكَمِهَا، فإذا وُجِدَتْ وُجِدَ الحُكمُ وإنِ انتَفَتْ انتفَى، وذلكَ لأسبابٍ، منهَا:
١ـ أنَّ الحكمَةَ خفيَّةٌ يعسُرُ التَّحقُّقُ من وجودِهَا، مثلُ: حكمَةِ إباحةِ البيعِ، فإنَّها رفعُ الحرَجِ عن المكلَّفينَ بسدِّ حاجَاتِهِمُ المشروعَةِ، لكنَّ (الحَاجَة) أمرٌ خفيٌّ، فلذَا لم يُعلَّقْ بها حُكمُ إباحَةِ البيعِ، إنَّما نُظرَ في أمرٍ آخرَ ظاهرٍ مُنضَبِطٍ بُنيت الإباحَةُ عليهِ، فَوُجِدَ (الإيجابُ والقَبُولُ) بينَ المتبايِعينِ، لأنَّ ذلكَ دليلُ التَّراضِي بينهمَا، والتَّراضِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute