إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالتْ: يا رسول الله، إنَّ أمي ماتتْ وعليها صومُ نذرٍ، أفأصُومُ عنها؟ قالَ:((أرأيتِ لوْ كانَ على أُمِّكِ دينٌ فقضيْتَهُ، أكانَ يُؤَدِّي ذلك عنهَا؟)) قالتْ نعَمْ، قالَ:((فصُومِي عن أُمِّكِ)) وفي روايةِ لهذا الحديثِ: ((فدينُ الله أحقُّ أن يُقضَى)) [أخرجه مسلمٌ] .
وما هذا منهُ إلاَّ إقرارٌ لمبدإِ القياسِ، وأنَّهُ ليسَ بخارِجٍ عن قوانين الشَّريعةِ، بلْ هوَ منهَا، وبهِ تُستفادُ أحكامُ الحوادثِ الَّتي لا نصَّ فيها.
والمتأمِّلُ في اجتهادَاتِ السَّلفِ من الصَّحابَةِ فمنْ بعْدَهُم يجِدُهُم يستعملُونَ القياسَ في وقائعِ كثيرة، وحيثُ أنَّ الوقائعَ لا تتناهَى، فإنَّ الأمَّةَ ستبقى في حاجةٍ إلى أجوبَةِ مستجدَّاتها ممَّا لم يرِدْ به النَّصُّ.
أمَّا من أنكرَ القياسَ من بعضِ العلماءِ، فإنَّهُم شنَّعوا على المُحتجِّينَ به غايَةَ التَّشنيعِ، تارةً بأنَّ هذا من القولِ على الله ورسولهِ بغيرِ علمٍ، وتارةً أنَّ هذا من الزيادَةِ في الدِّينِ لم يأذنْ بها الله تعالى ولا رسولُه - صلى الله عليه وسلم -، وتارةً أنَّ هذا من الظَّنِّ الَّذي لا يُغني من الحقِّ شيئًا، إلى غير ذلك من ألفاظِ التّهويلِ، ويبدُوا أنَّ الَّذي دفَعَهُم إلى ذلك تجاوُزاتٌ خارجَةٌ عن نظامِ القِياسِ، أو صُورٌ من القياساتِ الخفيَّةِ الَّتي لم تظْهرْ وجوهُ الاستدلالاتِ لهَا، أو معارضَةُ النَّصِّ ببعضِ صُورِ القياسِ الفاسِدِ، أو التَّعدِّي به إلى جانبِ العباداتِ، وهذه وشِبْهُهَا مُبطلاَتٌ