ومثلُهم الحنفيَّةُ، لكنَّهُم يُسمُّونها (استحسانَ الضَّرورةِ) كما قال بها بعضُ الشَّافعيَّةِ والحنابلَةِ.
ووجهُ هذا المذهبِ: أنَّ الغايةَ العُظمَى من التَّشريعِ تحقيقُ مصالحِ العبادِ في الدَّارينِ، وجميعُ ما جاءَ من الأحكامِ في الكتابِ والسُّنَّةِ فهو لأجلِ ذلكَ، وجُزئيَّاتُ مصالحِ العبادِ لا تتناهَى، فما سكتَ عنهُ الكتابُ والسُّنَّةُ منها فالأصلُ أن تُراعى فيه قواعدُ الإسلامِ في جلبِ المنافعِ ودفعِ المضارِّ، فيُقنَّنُ فيه ما يُناسبُه، إذْ ليس في ذلكَ التَّقنينِ ما يُخالفُ شرعًا، ولم تزلْ الأمَّةُ منذُ عهدِ الصَّحابةِ تُفنِّنُ في مختلفِ أمورِ الحياةِ ما يكفُلُ لها حفظَ مصالحهَا، وإن لم يكن ذلكَ التَّقنينُ وردَتْ بخُصوصِه الشَّريعةُ.
والثَّاني: مذهبُ الشَّافعيَّةِ: ليست بِحُجَّةٍ.
ووجهُ قولهِم: أنَّ الشَّريعةَ قدْ راعتْ مصالحَ العبادِ في تشريعهَا، فلا يُتصوَّرُ أن تكونَ أغْفلتْ جانبًا فيه مصلحةٌ لهُمْ، وفي القول بـ (المصلحةِ) فتحٌ للبابِ ليقولَ من شاءَ ما شاءَ.
وجوابُ هذا: أنَّ الشَّريعةَ لم تنُصَّ علىكلِّ فرعٍ من فُروعِ المصالحِ، وهذا موجودٌ في الواقعِ جزمًا فيما يستجِدُّ من الحوادثِ، ثمَّ إنَّ القولَ بـ (المصلحةِ) ليسَ مُرسلاً من القيودِ والضَّوابطِ ليقولَ من شاءَ ما شاءَ، ولعلَّ من أسبابِ هذا القولِ أنَّ بعضَ المالكيَّة بالغوا في هذهِ