وهذا التَّرجيحُ لسُنَّتهم على سُنَّة غيرهم لأنَّهم حُكَّام المسلمين وأولياءُ الأمرِ فيهم كما يدلُّ عليه صدرِ الحديثِ، وقولُ وليِّ الأمرِ واجبُ الطَّاعةِ حفظًا لوحدَةِ المسلمين، كما قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ}[النساء: ٥٩] ، وليسَ في هذا أنَّ قول الواحدِ منهُم في مسألةٍ فقهيَّةٍ اجتهاديَّةٍ يُعتبرُ حجَّةً في الدِّين، وإن وجبَ على النَّاسِ له فيها السَّمعُ والطَّاعة حفظًا لكلمةِ المسلمين من التَّفرُّقِ، ولا شيء أبلغُ دلالةً على ذلك من وقوعِ الاختلافِ بين الأربعةِ أنفُسهم، فليسَ كلُّ ما قضى به أبوبكر قضى بهِ عُمرُ، ولا كُّلُّ ما قضى به عُمرُ جرى عليه عثمان أو عليُّ رضي الله عنهم، كما أنَّه ليسَ كلُّ ما أفتَوا به وافقهُم عليه ابن مسعودٍ أو ابنُ عبَّاسٍ أو ابنُ عمرَ، ولو كانَ الحديثُ يعني أنَّ أقوالهُم الاجتهاديَّةَ دينٌ للأمَّةِ بعدَهٌم لكانَ هذا من نسبةِ التَّناقُضِ للدِّينِ.
وإذا فُهم هذا المعنى في هذا الحديثِ، فُهم كذلك في حديث:((اقتَدُوا باللَّذين من بعدي أبي بكرٍ وعمرَ)) إن ثبتَ هذا الحديثُ فقد رُوي بأسانيد ليس فيها يسلمُ من علَّةٍ.