وجهُ الدلالةِ: أنَّ تركَ المنهيِّ عنه لم يُعلَّق باستِطاعةٍ كما عُلِّق بها فعلُ المأمورِ، لأنَّ الشَّأن في التَّركِ والاجتنابِ أيسرُ في التَّكليفِ من تكلُّفِ الفعلِ، والأمرُ للوجوبِ، والأمرُ بالتَّركِ بصيغةِ الاجتنابِ أبلغُ من مجرَّدِ النَّهي عنهُ، ممَّا دلَّ على تغليظِ شأنِ المنهيِّ عنه، وهذا لا يكونُ في المكروهِ الَّذي غايتُهُ أنَّ فعلهُ تركٌ للأولى، لا فعلاً للحرامِ.
٤ـ فاعلُ المنهيِّ عنه لا يختلفُ أهلُ اللِّسانِ أنَّه عاصٍ بمجرَّدِ فعلهِ ذلك، فإنَّ الأميرَ لوقال لرعيَّته:(لا تفعلوا كذا) فواقعهُ أحدٌ منهم وُصفَ بالمخالفةِ واستحقَّ العقوبةَ، وإذا تصوِّر هذا في حقِّ نهي المخلوقِ، فهو أبينُ في حقِّ نواهي الله عزَّوجلَّ في كتابهِ وعلى لسانِ نبيِّه - صلى الله عليه وسلم -.
مثالٌ لصرفِ النَّهي عن حقيقته الَّتي هي التَّحريمُ بقرينةٍ:
عنِ البراء بن عازبٍ رضي الله عنه قالَ: سُئلَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - عن الصَّلاةِ في مباركِ الإبلِ؟ فقالَ:((لا تُصلُّوا في مباركِ الإبلِ، فإنَّها من الشَّياطينِ)) ، وسئلَ عن الصَّلاةِ في مرابِضِ الغَنَمِ؟ فقالَ:((صلُّوا فيها فإنَّها بركةٌ)) [حديثٌ صحيحٌ أخرجه أبوداودَ وغيرُهُ] .
فهذا النَّهيُ ليسَ على سبيلِ التَّحريمِ، والقرينَةُ الصَّارفةُ له عن ذلك من وجهينِ: