أحيانًا بتخصيصِ ما وردَ في اللُّغة عامًّا، أو تعيين بعضِ معاني المُشتركِ، كما أنَّ الشَّرعَ قد يستعملُ اللَّفظَ استعمالاً شرعيًّا هو نفسُ استِعمالِهِ في لغةِ العربِ.
والمقصودُ أنَّ ما أطلقهُ اللهُ ورسولُه من الألفاظِ وعلَّق به الأحكامَ من أمرٍ ونهيٍ وتحليلٍ وتحريمٍ فإنَّه باقٍ على ذلكَ الاستعمالِ الشَّرعيِّ، لا يجوزُ الخُروجُ به عنهُ إلاَّ بدلالةٍ من الشَّرعِ نفسهِ.
وإنْ كانَ الشَّرعُ علَّق الأحكامَ بلفظٍ، لكنَّه لم يحدَّه بحدٍّ ولم يُعطه ضابطًا خاصًّا، مثلُ لفظِ (السَّفر، والحيضِ، ومقدارِ ما يُطعَمُ المسكينُ في كفَّارةِ اليمينِ أو غيرهَا) ، فالمرجِعُ في تقديرِ ذلك إلى العُرفِ والعادَةِ، فما عدَّه النَّاسُ سفرًا بعادَتِهم فهو السَّفرُ الَّذي تُقصرُ فيه الصَّلاة ويُفطرُ فيها الصَّائمُ، وما لا يعدُّونه سفرًا بعادتِهم فهوَ السَّفرُ الَّذي تُقصرُ فيه الصَّلاةُ ويُفطرُ فيها الصَّائمُ، وما لا يعدُّونهُ سفرًا وإن طالتْ به المسافاتُ فليسَ بسفرٍ، و (الحيضُ) يعودُ تقديرُ مدَّته إلى ما جرتْ به عادَةُ كلِّ امرأةٍ، فهيَ الَّتي تُقدِّرهُ بما تراهُ من نفسِهَا أو نسائِها إنِ اضْطربتْ فيهِ، وفي كفَّارةِ اليمينِ قال الله تعالى:{مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ}[المائدة: ٨٩] ، والوسطيَّةُ تختلفُ من بيئةٍ إلى بيئةٍ، ويُجزيءُ من ذلكَ ما جرَتْ به بيئَةُ كلِّ إنسانٍ.
فإذا فُقدَ تمييزُ الحقيقةِ في الشَّرعِ، وليسَ اللَّفظُ ممَّا يُمكنُ تقديرُه بالعُرفِ فالمرجعُ فيهِ حينئذٍ إلى دلالةِ لُغةِ العربِ.