الله - صلى الله عليه وسلم - بالنَّاسِ في عهدِه، إنَّما خرجَ فصلَّى بهِم بعضَ اللَّيالي من آخرِ اللَّيلِ، وهذا الَّذي أحدثهُ عُمرُ رضي الله عنه له أصلٌ في الشَّرعِ وإنْ لم تكُن صُورتُه موجودَةً على عهدِ التَّشريعِ، وهوَ كونُ جميعِ اللَّيلِ وقتًا للصَّلاةِ فيهِ، من بعدِ العشاءِ إلى الفجرِ، فكانتِ المصلحَةُ المقتضيةُ نفعَ النَّاسِ أن يجعلهَا لهُم من أوقاتِ اللَّيلِ أفضلَ، ولهذا قال مُنبِّهًا على هذا المعنى:
فتسميَّةُ عُمر لهذا الفعلِ (بِدعة) محصورٌ بتقديمِ الصَّلاةِ أوَّل اللَّيلِ، وحيثُ أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - لم يفعلهُ كذلكَ فهو مُحدثٌ من هذا الوجهِ، فهذا التَّقديمُ ليس لهُ مثالٌ سابقٌ على صفتهِ من الفعلِ النَّبويِّ، لكنْ لهُ مثالٌ سابقٌ من جهةِ صحَّتِه في هذا الوقتِ من حيثُ الجُملَةُ، وهذه الصُّورةُ لا يصلحُ أن تُلحقَ بالبِدعِ الشَّرعيَّةِ، كما تقدَّمَ في استثناءِ ما يُستفادُ من أحكامِ الحوادِثِ بالقياسِ أو المصالحِ المُرسلَةِ أوِ الاستِصحابِ؛ لأنَّها راجعةٌ إلى الدَّليلِ من الكتابِ والسُّنَّةِ، ولا تبقى عبرَةٌ مؤثِّرَةٌ في الألفاظِ إذا ظهرتْ دلالتُهَا.
والَّذي ينبغي مُطلقًا أن لا يُستعملُ لفظٌ يقعُ فيهِ الإيهامُ واللَّبسُ من غيرِ تحديدِ المُرادِ بهِ، وليسَ قومُنا كأصحابِ عُمرَ رضي الله عنهُ في إدراكِ مُرادِهِ، فما حملُوا قولهُ على مُخالفَةِ العُمومِ لقولِه - صلى الله عليه وسلم -: ((وكلَّ بِدعةٍ