ليستْ أصنافُ المباحاتِ قابلةً للحصرِ، لكنْ لمَّا كانتِ الإباحَةُ فيها استواءُ طرَفَي الفِعلِ والتَّركِ جازَ أن تيملَ إلى أحدِ الطَّرفينِ باعتبارِ عارضٍ، فالقاعدة أن يُقال: يبقى حُكمُ الإباحةِ للشيءِ ثابتًا ما لمْ يترجَّحْ فيهِ جانبُ المفسدَةِ أو جانبُ المصلحةِ، فإذا ترجَّحَ أحدُ الجانبينِ فإنَّ المفسدَةَ الرَّاجحَةَ تُحيلُ المُباحَ مكروهًا أو محرَّمًا، والمصلحة الرَّاجحة تُحيلهُ مندوبًا أو واجبًا، فالشَّيءُ يكتسبُ حكمًا تكليفيًّا جديدًا باعتبارِ عارضٍ أخرجهُ عنِ الإباحَةِ.
أمثلة:
١ـ الأكلُ والشُّربُ مباحانِ من جميعِ الطَّيِّباتِ، لكنَّ الإسراف فيهما إلى حدِّ التُّخمةِ مكروهٌ، قال الله تعالى:{وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا}[الأعراف: ٣١] ، وقال النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: ((ما ملأ آدميٌّ وِعاءً شرًّا من بطنٍ، بحسبِ ابن آدمَ أُكُلاتٌ يُقمنَ صُلبهُ، فإن كان لا محالةَ فثُلثٌ لطعامِهِ وثلثٌ لشرابِهِ، وثلثٌ لنفسِهِ)) [حديثٌ صحيحٌ رواهُ التِّرمذِيُّ وغيرُه] .
٢ـ اللَّهوُ واللَّعبُ مباحانِ في غاير محرَّمٍ معلومِ الحُرمةِ، فإذا سبَّبا تفويتَ فريضةٍ كإخراجِ الصَّلاةِ عن وقتها، أو جرَّا إلى محرَّمٍ كالتَّعدِّي على الغيرِ أو مواقعةِ فاحشةٍ، انتقلا إلى التَّحريمِ.