من الكباش وهي تكسر على هذه الصفة واحداً بعد واحد وكان طول كل واحد منها ستين ذراعاً معلقاً في البرج الخشب بحبال في رأس كل واحد من الكباش حديد يزيد وزنه على عشرين رطلاً. فلما طال تجديد الكباش وقربوا البرج من السور عمد هذا الرجل البحري المقدم ذكره إلى خشبة طويلة جافية قوية أقامها في برج البلد الذي بإزاء برج الافرنج وفي رأسها خشبة على شكل الصليب طولها أربعون ذراعاً تدور على بكر بلولب كيف ما أراد متوليها على مثال ما يكون في الصواري البحرية وفي طرف الخشبة التي تدور سهم حديد وفي طرفها الآخر حبال مدارة بها على ما يريد متوليها وكان يرفع فيها جرار الكدر والنجاسة ليشغلهم بطرح ذلك عليهم في البرج عن الكباش. وضاق الأمر بالناس وشغلهم ذلك عن أمورهم وأشغالهم وعمد البحري المذكور إلى سلال العنب والقفاف فيجعل فيها الزيت والقير والسراقة والقلفونية وقشر القصب ويطلق فيها النار فإذا علقت بذلك وقع ذلك في الآلة المذكورة حتى يوازي برج الافرنج فتقع النار في أعلى البرج فيبادروا باطفائها بالخل والماء فيبادر برفع اخرى ومع هذا يرمي أيضاً بالزيت المغلي في قدور صغار على البرج فيعظم الوقيد. فلما كثرت النار وحمل بعضها بعضاً وقويت قهرت الرجلين المتولين لرأس البرج وقتل أحدهما وانهزم الآخر ونزل منه فتمكنت النار من رأسه ونزلت إلى الطبقة الثانية من رأسه ثم إلى الوسطى وعملت في الخشب وقهرت من كان حوله في الطبقات وعجزوا عن اطفائها وهرب كل من فيه وحوله من الافرنج وخرج أهل صور إليه فنهبوا ما فيه وغنموا من السلاح والآلات والعدد ما لا يحده وصف
فعند ذلك وقع يأس الافرنج منه وشرعوا في الرحيل عنه وأحرقوا البيوت التي كانوا قد عمروها في المنزل لسكناهم وأحرقوا كثيراً من المراكب