للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عن الاسلام فاعتقل في الحال وطالبه أخوه خطلخ بما جناه عليه من سمل عينيه وعقد لهما مجلس حضره القضاة والفقهاء وأوجبوا عليه القصاص فسمل كما سمل أخاه وأطلق إلى دار له بدمشق فأقام بهاوفي ذي الحجة من سنة ٤١ ورد الخبر بأن السلطان شاهنشاه مسعوداً عمل رأيه وتدبيره على تطييب نفس الأمير عباس فسكن إلى ذلك بعد التوثقة بالأيمان المؤكدة والعهود المشددة ووصل إليه إلى بغداد ساكناً إلى ما كان تأكد من ايمانه على نفسه وجماعته وكان السلطان قد تمكن في نفسه من الرعب منه والخوف على عسكره من قوة شوكته ومشهور هيبته وكثرة عدده وعدته ما لم يمكنه ترك الفرصة فيه وقد أمكنت والغرة قد تسهلت وتيسرت فرتب له جماعةً للفتك به عند دخوله عليه فعوجل عليه بالقتل ونهبت خزائن أمواله وآلاته وكراعه وامتلأت أيدي جماعة من نهبها وتفرق عسكره في البلاد والأعمال. وكان له الذكر الحسن والفعل المستحسن والأجر الوافر والمدح السائر بما كان له في مجاهرة أحزاب الباطنية والفتك بهم والقمع لهم والحصر في معاقلهم والكف لشرهم ولكن الأقدار لا تغالب والأقضية لا تدافعوأما أخبار المغرب والحوادث فيه فلم تسكن النفس إلى إثبات شيء من طوائح أخباره وما يؤخذ من أفواه تجاره. وقد أفردت من أحوال الخوارج فيه والفتن المتصلة بين أهليه من الحروب المتصلة وسفك الدماء ما لا تثق النفس به لاختلاف الروايات وتباين الحكايات. وكان

قد ورد من فقهاء المغاربة من وثقت النفس بما أورده وسكنت إلى ما شرحه وعدده وحضرت كتب من أهل المغرب إلى أقاربهم ببعض الشرح ووافق ورود ذلك في سنة ٥٤١ بالتواريخ المتقدمة والحكايات المختلفة فرأيت ذكر ذلك وشرحه في هذا المكان. فمن ذلك ظهور المعروف بالفقيه السوسي الخارج بالمغرب وما آل إليه أمره إلى أن هلك ومن قام بعده واستمر على مذهبه وما اعتمده من الفساد وسفك الدماء ومخالفة الشريعة الاسلامية. ومبدأ ذلك على ما حكي ظهور المعروف بالفقيه أبي محمد ابن تومرت من جبل السوس ومولده به وأصله مصمودي وكان غايةً في التفقه والدين مشهوراً بالورع والزهد وكان قد سافر إلى العراق وجال في تلك الأعمال ومهر في المناظرة والجدال واجتمع بايمة الفقهاء وأخذ عنهم وسمع منهم وعاد إلى ناحية مصر وما والاها واجتمع مع علمائها وقرأ عليهم ثم عاد إلى المغرب ودعا إلى مذهب الفكر. وابتداء ظهوره في سنة ٥١٢ في مدينة تعرف بدرن في جبل أوله في البحر المحيط وآخره في بحر الاسكندرية في رأس أوثان وغلب على جبل السوس واجتمع إليه خلق كثير من قبائل المصامدة بجبل درن وقيل إنه وصل إلى المهدية وأمر أهلها أن يبنوا قصراً على نية الفكرة وأن يعبدوا الله فيه بالفكرة فاجتمع مشايخ أهل المهدية وفقهاؤها وعزموا على بناء ما أمرهم به والعبادة لله تعالى فيه فقام رجل من كبار الفقهاء وقال: نقيم ما أقمنا بالمهدية ويجيء إليكم رجل بربري مصمودي يأمركم بالعبادة بالفكرة فتجيبون إلى ما أمركم به وتسارعون إلى قبول ما ذكره لكم. وأنكر هذا الأمر إنكاراً شديداً حتى عادوا عنه وأبطلوه واقتضت هذه الحال خروج الخارجي من المهدية إذ لم يتم له فيها أمر ولا بلغ غرضاًوقصد بلداً في الغرب يعرف ببجاية في أيدي بني حماد بن صنهاجة وشرع في الانكار على أهله شرب الخمور وجعل يكسر الأواني إلى أن منع من شربها وساعده على ذلك ابن حمدون مقدم هذا البلد حمل إليه مالاً فامتنع من أخذه وتعفف عنه لما أظهره من الزهد في الدنيا والتفقه والورع. ثم خرج من هذا البلد وقصد مدينة أغمات فأظهر فيها الزهد وتدريس الفقه وصار معه من أتباعه تقدير أربعمائة رجل من المصامدة ثم ارتفع أمره وظهر شره واتصل خبره إلى الأمير ابن يوسف بن تاشفين وما هو عليه وما يظهره ويطلقه من إباحة دمه ودم أصحابه وأهل مملكته فاستدعاه الأمير المذكور إلى حضرته وجمع له وجوه الفقهاء والمقدمين إلى مجلس حفل ووقع الاختيار من الجماعة على فقيه يعرف بأبي عبد الله محمد بن مالك بن وهب الأندلسي لمناظرته فناظره في هذا المحفل فاستظهر عليه في المناظرة وقهره وغلبه فقال الخارجي السوسي المناظر له: انظرني. فأجابه إلى ما طلب ثم قال لابن يوسف بن تاشفين المقدم: ينبغي أن يأمر الأمير بحبس هذا المفتن لكشف سره ويحقق أمره ويظهر لكافة المسلمين صحة خبره فإنه لا يريد غير الدنيا والسلطنة والفساد في الأرض وقتل النفوس. فما حفل بكلامه ولا أصغى إلى إشارته وتغافل عنه للأمر المقضي وأعان هذا الخارجي قوم من المقدمين على مرامه وحامى عنهثم عاد إلى السوس إلى جبل درن وكان يقول للناس: كلما قربتم من المرابطين وملتم إليهم كانوا مطاياكم إلى الجنة لأنهم حماة الدين والذابون عن المسلمين. ثم حمل المرابطين والملثمين وقد مال معه منهم الخلق الكثير والجم الغفير على محاربة الأمير علي بن يوسف ابن تاشفين وجمع عليه وحشد وقويت نفسه ونفوس من معه على اللقاء ومعهم أصحاب القوة والبسالة وشدة البأس والشجاعة ونشبت الحرب بين الفريقين وأريقت الدماء بين الجهتين ولم تزل رحى الحرب دائرة بينهم إلى أن كان بينهم في عدة سنين متوالية أربعة مصافات هائلةً منكرة قتل فيها من الفريقين ما قدر وحزر تقدير مائتي ألف نفس ولم تزل الحرب على ذلك مستمرة على هذه القضية الشنيعة والصفة الفظيعة إلى أن أهلكه الله تعالى بمدينة درن في سنة ٥٢٢. وخلف جماعةً من تلامذته وأصحابه سلكوا سبيله وبنوا على بنائه وسلكوا مذهبه في الفساد وتولد بينهم مذهب سموه تكفير الذنب هذا ما أورده وحكاه وشاهده واستقصاه الفقيه أبو عبد الله محمد ابن عبد الجبار الصقلي باملائه من لسانه ورد من فقهاء المغاربة من وثقت النفس بما أورده وسكنت إلى ما شرحه وعدده وحضرت كتب من أهل المغرب إلى أقاربهم ببعض الشرح ووافق ورود ذلك