وكان في أوائل أيام من ذي الحجة سنة ٥٥٣ قد عرض للملك العادل نور الدين مرض تزايد به بحيث أضعف قوته ووقع الارجاف به من حساد دولته والمفسدين من عوام رعيته وارتاعت الرعايا وأعوان الأجناد وضاقت صدور قطان الثغور والبلاد خوفاً عليه وإشفاقاً من سوء يصل إليه لا سيما مع أخبار الروم والخبر من الافرنج خذلهم الله. ولما أحس من نفسه بالضعف تقدم إلى خواص أصحابه وقال لهم: إنني قد عزمت على وصية إليكم بما قد وقع في نفسي فكونوا لها سامعين مطيعين وبشروطها عاملين. فقالوا: السمع والطاعة لأمرك وما تقرره من رأيك وحكمك فإنا له قابلون وبه عاملون. فقال: إني مشفق على الرعايا وكافة المسلمين ممن يكون بعدي من الولاة الجاهلين والظلمة الجائرين وإن أخي نصرة الدين أمير ميران أعرف من أخلاقه وسوء أفعاله ما لا أرتضي معه بتوليته أمراً من أمور المسلمين وقد وقع اختياري على أخي الأمير قطب الدين مودود بن عماد الدين متولي الموصل وخواصه لما يرجع إليه من عقل وسداد ودين وصحة اعتقاد بأن يكون في منصبي بعدي والساد لثلمة فقدي فكونوا لأمره بعدي طائعين ولحكمه سامعين فأحلفوا له بصحة من نياتكم وسرائركم واخلاص من عقائدكم وضمائركم. فقالوا: أمرك المطاع وحكمك المتبع. فحلفوا الأيمان الموكدة على العمل بشروطها واتباع رسومها وأنفذ رسله إلى أخيه المذكور لأعلامه صورة الحال ليكون لها مستعداً وإليها مسرعاً. ثم تفضل الله تعالى عليه وعلى كافة المسلمين ببدوء الابلال من المرض وتزايد القوة في النفس والجسم وجلس المدخول إليه والسلام عليه فسرت النفوس بهذه النعمة وقويت بتجديدها وكان الأمير مجد الدين النائب في حلب قد رتب في الطرقات من يحفظ السالكين فيها فظفر المقيم في منبج برجل حمال من أهل دمشق يعرف بابن مغزو معه كتب فأنفذه بها إلى مجاهد الدين متولي حلب فلما وقف عليها أمر بصلب متحملها. وأنفذها في الحال إلى الملك العادل