للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

هناك. ففعل حتى إذا وصل إلى قرية تعرف بلبنا أنزله فيها وأحضره ماء وفاكهةً ووكل به جماعةً من أصحابه وبادر إلى العزيز فتوثق منه في المال الذي بذله في الفتكين ثم عرفه حصوله في يده وأخذ جوهراً ومضى فسلمه إليه وورد المبشرون إلى العزيز بحصوله فتقدم بضرب نوبة من مضاربه وفرشها واعداد ما يحتاج إلى اعداده من الآلات للاستعمال فيها واحضار كل من حصل في الأسر منسوباً إليه فأحضر وأومنوا وكسوا ورتبوا في أشغالهم المنسوبة إليهم في خدمته ووصل الفتكين وقد خرج العسكر لاستقباله وهو

غير شاك في انه مقتول فأمر العزيز أن يعدل به إلى النوبة المضروبة وكانت قريباً من مضاربه وبين يديه مختار الصقلبي صاحب القصر في جماعة من الخدم والصقالبة يمنعون الناس منه ويحولون بينه وبينهم فلما رأى القواد والصقالبة والمغاربة باب سرادق العزيز ترجلوا عن دوابهم وقبلوا الأرض ففعل الفتكين مثل ذلك ودخل المضارب المعدة له فشاهد أصحابه وحاشيته على ما كانوا عليه من الحال والعمل في خدمته وحمل إلى دست قد نصب له ليجلس عليه فرمى نفسه إلى الأرض ورمى ما على رأسه وعفر خديه على التراب وبكى بكاءً شديداً سمع منه نشيجه وقال: ما استحققت الابقاء علي فضلاً عن العفو الكريم والاحسان الجسيم ولكن مولانا أبي إلا ما يقتضيه أعرافه الشريفة وأخلافه المنيفة. وامتنع من الجلوس في الدست وقعد بين يديه وأتاه بعد ساعة أمين الدولة الحسن بن عمار وهو أجل كتابه وجوهر ومعهما عدة من الخدم على أيديهم الثياب فسلما عليه وأعلماه رضي العزيز عنه وتجاوزه عن الهفوة الواقعة منه وألبسه جوهر دستاً من ملابس العزيز كان في جملة الثياب وقال له: أمير المؤمنين يقسم عليك بحقه إلا طرحت سؤ الاستشعار وعدت إلى حال السكون والانبساط. فجدد الدعاء وتقييل الأرض وشكر جوهراً على ما ظهر منه في أمره وعاد الحسن وجوهر إلى العزيز فأخبراه ما كان منه. وواصله العزيز بعد ذلك بالمراعاة والملاطفة في الفواكه والمطاعم وتقدم من غد إلى البازيارية وأصحاب الجوارح بالمصير إلى باب مضربه وراسله بالركوب إلى الصيد تأنيساً له وقاد إليه عدة من دواب بمراكبها فركب وهو يشاهد القتلى من أصحابه وعاد من متصيده عشاء فاستقبله الفراشون بالشمع والنفاطون بالمشاعل ونزل في مضاربه فلما كان في الليل ركب العزيز إليه ودخل عليه فبادر إلى استقباله وتقبيل الأرض وتعفير خديه بالتراب فأخذ العزيز بيده وأمره بالجلوس فامتنع ثلاث مرات ثم جلس فسأله عن خبره وخاطبه بما سكن نفسه وقال له: ما نقمت عليك إلا انني دعوتك إلى مشاهدتي تقديراً أن تستحيي مني فأبيت وقد عفوت الآن عن ذلك وعدت إلى أفضل ما تحب أن تطيب نفسك به وسأصطنع لك اصطناعاً يسير ذكره وافعل معك فعلاً أزيد على أملك وأمنيتك فيه. فبكى الفتكين بين يديه وقال: قد تفضلت يا أمير المؤمنين علي تفضلاً ما استحققته ولا قدرته وأرجو أن يوفقني الله بخدمتك ومقابلة نعمتك. وأنس الفتكين بعد ذلك وخاطب فيمن بقي من أصحابه حتى أوجب لهم الأرزاق الواسعة والتقريرات المتتابعة ونزلوا على مقاديرهم ورتبهم في مواضعه واستحجبه العزيز وجعله من أخص خاصته وأقرب صاحب من خدمة حضرته. وكان العزيز قد أنفذ النجب بالرسل والكتب تابعةً للحسن بن أحمد القرمطي فلحقوه بطبرية وأعادوا عليه الرسائل بالصفح عما جرى منه والدعاء إلى وطء البساط ليصطنعه ويصطفيه والتماس ما يريده ليبلغه له ويرجع إلى بلاده فأقام على أمره وترددت المراسلات إليه ومنه والوسيط جوهر إلى أن تقرر الأمر على ثلاثين ألف دينار له ولأصحابه تحمل إليه في كل سنة ويكونوا على الطاعة والموادعة وحمل إليه مال سنة وأضيف إليه ثياب كثيرة وخيل بمراكب وتوجه إليه جوهر وقاضي الرملة فاستحلفاه للعزيز على الوفاء والمصلحة وأخذا له المواثيق المسدودة المؤكدة وأعطياه المال والخلع والحملان وانصرف إلى الاحساء وعاد العزيز إلى مصر والفتكين حاجبه ولم يزل المال المقرر للقرمطي يحمل إليه في كل سنة على يد أبي المنجا صاحبه إلى أن مات. ووصل العزيز إلى مصر والقاهرة فدخلها ونزل في قصره وأنزل الفتكين في دار حسنة بعد أن فرشت بالفروش الكثير وركب وجوه سائر الدولة إليه حتى لم يتأخر أحد منهم عنه ووافاه فيمن وافاه أبو الفرج يعقوب بن يوسف ابن كلس الوزير بعد أن لاطفه وهاداه وزاد أمر الفتكين بين يدي العزيز وتكبر على ابن كلس الوزير وامتنع من قصده والركوب إليه وأمره العزيز فلم يفعل وتدرجت الوحشة بينهما حتى قويت واستحكمت وأعمل الحيلة الوزير في الراحة منه ودس إليه سماً فقتله به ولما مضى لسبيله حزن العزيز حزناً شديداً عليه واتهم ابن كلس واعتقله نيفاً وأربعين يوماً صح له منه خمسمائة ألف دينار وواقفت الأمور باعتزاله النظر فيها فأعاده العزيز وجدد اصطناعه واستخدامه انه مقتول فأمر العزيز أن يعدل به إلى النوبة المضروبة وكانت قريباً من مضاربه وبين يديه مختار الصقلبي صاحب القصر في جماعة من الخدم والصقالبة يمنعون الناس منه ويحولون بينه وبينهم فلما رأى القواد والصقالبة والمغاربة باب سرادق العزيز ترجلوا عن دوابهم وقبلوا الأرض ففعل الفتكين مثل ذلك ودخل المضارب المعدة له فشاهد أصحابه وحاشيته على ما كانوا عليه من الحال والعمل في خدمته وحمل إلى دست قد نصب له ليجلس عليه فرمى نفسه إلى الأرض ورمى ما على رأسه وعفر خديه على التراب وبكى بكاءً شديداً سمع منه نشيجه وقال: ما استحققت الابقاء علي فضلاً عن العفو الكريم والاحسان الجسيم ولكن مولانا أبي إلا ما يقتضيه أعرافه الشريفة وأخلافه المنيفة. وامتنع من الجلوس في الدست وقعد بين يديه وأتاه بعد ساعة أمين الدولة