للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

البشرية المنافق الذلق، فصيح اللسان، عذب الحديث، ناصع الفكرة، قوي الحجة، يلفق الباطل، ويجعله في صورة الحق، ويقلب الحقائق، ويزور المسلمات، ويخلع عليها لباسًا غير لباسها الحقيقي، ذلك كله في أسلوب هادئ، يضفي على صاحبه ثوب الحكمة والوقار، وفي حديث عذب، ولسان رطب، يعبر عن تجربة حياة، وفصاحة قول تنهال على السمع، يفتلها من خبرة محنك بالدواهي والأحاييل، وذلك كله في أسلوب عصري ممزوج بما يتفتح إليه العقل، وتقبل عليه النفس من مغربات الحياة، ومقتضيات الإنسان في مجتمعه الجديد، وهو يملك زمام الحيل، يرد بها كل اتهام، ويسخر منها شباك الدهاة، يختبل فيها صيده، ثم يصل به الزيف والضلال إلى أن يجعل الله سبحانه وتعالى شاهدًا على قوله، فيقول المنافق في ختام حديثه: يعلم الله أني صادق فيما أقول، أو يقول: إن الله شاهد على ما أقول، وغيرها من عبارات الإفتراء والتلفيق.

والقرآن الكريم يصور هذا النموذج الخطير من البشر، فيقول سبحانه وتعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ} [البقرة: ٢٠٤] ، فإذا حقق بغيته، ووصل إلى أعماق خصمه، أفسد في الأرض بإيقاع العداوة بين الناس، الذين خدعهم بالباطل، فتنعدم الثقة، وتسود البغضاء، ويحل الجفاء محل المودة، فيتهدم المجتمع، ويتقوض بنيانه، قال تعالى: {وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ، وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ} [البقرة: ٢٠٥، ٢٠٦] .

<<  <   >  >>