للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[غضبة السماء والأرض]

قال تعالى: {وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [هود: ٤٤] .

ورد عن ابن أبي أصبع العدواني أنه لم ير في جميع ما قرأ من المنثور والشعر الموزون مثل هذه الآية، واستخرج منها واحدًا وعشرين ضربًا من المحاسن، وقيل إن أحدًا ممن حاولوا معارضة القرآن لما قرأها مزق أوراقه، ويرجع ذلك كله إلى الإعجاز في التصوير القرآني لغضبه الأرض والسماء على الإنسان المعاند الذي كفر بالله تعالى، الذي خلقه ورزقه ودبر له أحواله، وسخر له ما في السماوات والأرض، لتكون طوع إرادته في تلبية حاجاته ومقتضيات حياته، وحين يكفر بخالق السماوات والأرض وما بينهما، فإن الطبيعة التي سخرها لعبادته تتمرد؛ فتقضي عليه وتبتلعه، ويتجلى الإعجاز في حذف الفاعل الحقيقي وإضماره جل جلاله، لأنه هو الرحمن الرحيم بعبده حتى لو كفر به، فرحمته وسعت كل شيء، ولولاها لما سقى الكافر منه شربة ماء؛ فتعاقب مظاهر الطبيعة المتمردين من خلال بناء الأفعال للمجهول في: "وقيل يا أرض، وغيض الماء، وقضي الأمر، وقيل بعدا"، لأن الفاعل الحقيقي معلوم وهو الله تعالى، فلا يحتاج إلى ذكر، ولأن مخاطبة الأرض والسماء وتوجيه الأمر لهما وللكائنات، لا يتأتى إلا من الله سبحانه وحده، فهو الذي خلقهما وسواهما، فتستجيب بسرعة، ولا تتمرَّد عليه كالإنسان، قال تعالى: {فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} ، ثم تأمَّل الاستجابة السريعة من الأرض

<<  <   >  >>