فضل الله -عز وجل- أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- خير الأمم بمعجزة خالدة، تؤيّد رسالته إلى يوم القيامة، وهي القرآن الكريم، بينما غيرها من المعجزات له وللأنبياء السابقين -عليهم السلام- أيدت نبوتهم ورسالتهم إلى أقوامهم ساعة حدوثها، لكي يؤمنوا، دون استمرار ودوام، فلا يبقى لها أثر بعد نبيهم لقومه أو لأقوام غيرهم، مثل معجزات نجاة إبراهيم من النار، وقلب عصا موسى حية، وإحياء الموتى لعيسى -عليهم السلام، وانشقاق القمر وتسبيح الحصى لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، قد أدت دورها تأييدًا للرسالة ساعة حدوثها، ثم انتهى دورها إلى الأبد من غير أثر خالد لا كمعجزة القرآن الكريم الخالدة.
أما مظاهر الاختلاف بين معجزة القرآن الكريم وغيرها فهي كثيرة، فالقرآن الكريم لم يكن لقوم معينين دون غيرهم، بل كان تشريعًا للعالمين كافة، وللناس جميعًا، فلا زال عطاؤه كاملًا ومتجددًا، وسيظل إلى الأبد يعطي لكل جيل، وزمان عطاء يختلف باختلاف الأجيال والأزمان، قال تعالى:{سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ}[فصلت: ٥٣] ، تكفَّل الله تعالى بحفظه وتقديره حتى من العاصي والكافر، كما تكفل باستمرار العمل به حفظًا ومنهجًا وتشريعًا وسلوكًا إلى قيام الساعة:{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}[الحجر: ٩] .
والقرآن الكريم كلام الله المقدس، وكتاب الحق الخالد، شرح الله تعالى به الصدور، وأحيا به القلوب، وأيقظ العقول، وأرشد عباده من الضلال إلى الهدى، وأخرجهم من الظلمات إلى النور: