قال تعالى:{وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ}[البقرة: ١٨٧] ، بلغت هذه الآية الكريمة حد الإعجاز في التصوير القرآني لبداية الإمساك ونهايته من ليل رمضان ونهاره، بالحروف والكلمات والصور الواقعية من الطبيعة بما لا يتأتى على مثاله من تصوير للقيم الخلقية والتشريعية بدقة متناهية وقول فصل لا يقبل الطعن والجدل.
فقد جاء الأمر بالأكل والشرب على سبيل الوجوب من بداية الليل الواضحة حين يبدأ بغروب الشمس، وهو أمر قاطع لا يختلف عليه اثنان في قوله تعالى:{ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْل} ، ويمتد الليل طويلًا لغاية آخره، تحددت أبعاده بكلمة واحدة وهي "حتى"، وأما نهاية الليل وبداية الإمساك ليس أمر فاصلًا كغروب الشمس، لذلك كانت مقومات التصوير القرآني متنوعة، فاقتضت التأكيد في التعبير عن الظهور بقوله تعالى:{حَتَّى يَتَبَيَّن} بزيادة التاء وتكرار الياء بالشدة عليها، لأن زيادة المبنى تدل على زيادة المعنى، كما يحتاج الأمر إلى قرار جماعي لا فردي في قوله تعالى:{لَكُمُ} أي: جمع متواتر لا يتواطئون على الكذب،