الإعجاز في الموسيقى القرآنية لا يصدر عن أوتار وآلات يعزف عليها الفنان بأنامله وأعضائه التي أعدت لذلك إعدادًا مدروسًا، لكنها تصدر عن حروف اللغة المتحركة والساكتة والمهموسة والمجهورة والرقيقة والغليظة الشديدة وحروف القلقلة، وعن البناء الصوتي للكلمة القصيرة أو الطويلة، والسلسلة، والسهلة العذبة، والفخمة الجزلة القوية؛ لانسجام الحروف في الكلمات والتلاؤم الصوتي بين العبارات المختلفة لتشكل صورة موسيقية تامة، ولحنًا قرآنيًّا متكاملًا لبناء صورة قرآنية تتآزر مع المعاني والقيم الخلقية لتحقيق الغاية من التصوير القرآني المعجز، فإذا قرأت قوله تعالى:{إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا}[الكهف: ١٠] ، فالموسيقى القرآنية هنا تنوعت في آية واحدة، حين صورت أصحاب الكهف وهم يسرعون في البحث عن ملجأ يحميهم من طغيان دقيانوس الظالم المشرك الذي أصرَّ على قتلهم، لتمسكهم بعقيدة التوحيد، فتوعدهم بالقتل إذا استمروا في التوحيد، حتى لجئوا إلى كهف آمن يحميهم من القتل، فلما أطمأنت أنفسهم وهدأت أنفاسهم في خضوع وتأن وخشوع في دعائهم، استجاب الله تعالى لهم، فكان الإعجاز في الموسيقى القرآنية، التي صورت السرعة في البحث عن مأوى يحفظهم من القتل خلال أصواب وحركات وسكنات الحروف، والتراكيب وتآلفها السريع المناسب، ليكون الفرق واضحًا فيما لو جاء في غير القرآن -حين لجأ الفتيان إلى الكهف-؛ لأن "إذ" تعتمد على حرفين