انتهى النقد الأدبي إلى أن الجمال في الأدب له قواعد وعناصر وأصول تقوم على الأسباب والمسبّبات، والعلل والتعليل، وإقامة الأدلة والمقارعة بالحجة والدليل، حتى ينتهي الأمر بالقبول والتسليم، أو بالرفض والإنكار والجدل، لكن قضية الحلاوة في النقد الأدبي تختلف عنها كثيرًا، فقد يكون الناقد مبهورًا بحلاوة النص بحاسته النقدية وذوقه الأدبي؛ فيحكم عليه بأن جودته وصلت إلى القمة عند الجميع؛ فإذا اجتمع النقاد على أن يستخرجوا منه عناصر الجودة، فلا يجدون منها إلا القليل من أصول وقواعد قضية الجمال، لكن الأسباب الرئيسة التي سمت به إلى الحلاوة، إذا فتشوا عنها؛ فلن يجدوا منها سببًا حسِّيًّا، يعدونه على أصابع اليد الواحدة، ولا دليلًا يدفعون به الخصوم، ولا حجة ترد المنكرين؛ لكنه على الرغم من أنفه يحكم الناقد والخصم على النص الأدبي بالحلاوة دون أن ينتزع منه عناصرها ومقوماتها، ودون أن يقف على سبيل التحديد والحصر على أسباب الحلاوة، ويخفق تمامًا في الوقوف على الأسباب والمسببات كلها، ويفتقد في المناقشة أن يستنجد بأدلة يحتج بها، أو يعتمد على تعليل يقنع به الخصوم، وتراه في كل محاولاته ينتهي القول بالحكم عليه بالحلاوة، التي تنطبق على كل أطرافه وحواشيه، ولا ينهض بحال أن يصفه بالرداءة والقبح، وإلا كان مفتقدًا لمقاييس النقد الأدبي، وحاسة الذوق الفني، وتجد ذلك واضحًا عند الأدباء والشعراء، وعند الشعراء النقاد حين يتعرضون لنصوصهم الأدبية، وقد ناقشت ذلك في كتابي:"الصورة الأدبية ... تأريخ ونقد"، وسأكتفي بموقف واحد فقط أعين القارئ فيه على توفير الجهد في البحث والدراسة والفهم والتحصيل والإقناع، هذا الموقف لناقد كبير من النقاد