للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

حياة للجيد بلا روح، وإلا كان جثة هامدة، كما أن الرّيّ يرد الروح إلى الجسد، فيعيد إليه الحياة من جديد؛ فلو حلَّ محله لفظ إنسان لما أوحي بهذه المعاني العميقة والحسية، و"ماء": لأن فيه الحياة، وكم يتمنى العطشان أن يرى الماء بعينيه؟ فما بالك حين يروي ظمأه؟ إنه الحياة!، ولو حل شيء مكان الماء لما عمرت الصورة بالخصوبة والثراء، ولما اتسعت للإحاطة والاستيعاب، ولما نبضت بالوحي والإشارة، و"حتى": تفيد أن غاية الظامئ الحبيبة إلى نفسه هي الماء، لا يريد غير ذلك، فما بالك إذا خاب الرجاء، وباءت المفاجأة بالفشل، فتكون الطامة الكبرى، و"إذا": التي تدل على التحقيق والإصرار على الوصول إلى السراب، والحصول على الماء، لأن العطشان لا يستغني عنه بحال، كما لا يستغني الجسد عن الروح، ولم يجد شيئًا؛ فجاءت شيئًا في سياق النفي؛ لتدل على العدم المطلق؛ فلا شيء مطلقًا؛ فلو حل الماء محله لبقيت هنا بوارق الأمل في أن يجده بعد ذلك، أو يجد جزءًا منه، قال الرماني: "ولو قيل يحسبه الرائي ماء ثم يظهر أنه على خلاف ما قُدِّر لكان بليغًا، وأبلغ منه لفظ القرآن؛ لأن الظمآن أشد حرصًا عليه وتعلق قلبه به"١، ووجد الله عنده: المراد وجد عقاب الله وعذابه؛ لكن التصوير القرآني جعل في ذكر الله -جل جلاله- من الرهبة والخوف مما يبهت الكافر ويمحقه في إنكاره لوجود الله عنده، بعد أن أنكر حساب الله وعقابه، ثم يفاجأ بعد الرغبة والمشقة بتلك الحقيقة القاهرة، وهي وجود الله أمامه وهو سريح الحساب، وقوله تعالى: {فَوَفَّاهُ حِسَابَه} لتوحي الفاء بسرعة العقاب، وعاقبة العمل السيء، فمعناها الترتيب والتعقيب؛ فتدلُّ على تلاحق العذاب بلا ترتيب، لينزل به بمجرَّد تبدُّد الأمل وانعدام الرجاء، و"وفاه": لا


١ ثلاث رسائل في إعجاز القرآن ص ٨٢.

<<  <   >  >>