الشمس مع النهار متقدمة على ما بعدها، ويؤيد هذا التصوير البديع قراءة رفع الشمس وما بعدها على الاستئناف، فهي مصدر النور في النهار، ويؤيد هذا التصوير المعجز أيضًا قراءة حميد بن قيس:"يغشي الليل النهار" بفتح الياء والشين غير المشددة ونصب الليل ورفع النهار١، {إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ، فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ، لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ، تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ، أَفَبِهَذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ}[الواقعة: ٧٧- ٨١] .
قال تعالى:{اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ، وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}[الرعد: ٢، ٣] فالتصوير القرآني هنا بالفعل المضارع "يغشي" يدل على حقائق: الأولى: أن تقديم الليل على النهار يجعل الظلام هو الأصل، وأن الضوء يحدث نتيجة حركة الأرض في مواجهة الشمس، والثانية: معنى يغشى: يغطي، ودلالته محسوسة، وعلى ذلك فالمراد بالليل: الظلام، وهو زمن، وبالنهار: الضياء، وهو زمن أيضًا، والمعنى يغطي الله بظلمه الليل مكان النهار على الأرض فيحدث زمن الليل، ويغطي الله بنور النهارمكان الليل على الأرض فيحدث زمن النهار، الثالثة: دلالة صيغة المضارعة على التكرار المعكوس لدلالته على التجدد والتغيير والاستمرار
١ الكشاف: الزمخشري، ١٠٩/ ٢، فتح القدير: الشوكاني ٢١١/ ٢.