قال تعالى:{رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ، فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ}[الرحمن: ١٧، ١٨] ، اقتضت البلاغة عند العرب أن يعبروا عن المتقابلين بتثنية أحدهما على سبيل التغليب والاكتفاء بواحد عن الاخر للدلالة عليه، فقالوا القمران لا الشمسان للشمس والقمر، والأسودان للتمر والماء. وهكذا، ويعدُّ ذلك من بلاغة الإيجاز؛ فعارضهم القرآن الكريم على نحو بلاغة أسلوبهم، فجاء بالإعجاز الرباني في تصويره القرآني في هذه الآية الكريمة؛ فعجزوا عن مجاراتها لأنهم لم يفطنوا إلى الحقيقة العلمية، التي تتجدد مع الزمان والمكان، فئقد انتهى العلماء في العصر الحديث إلى أن الأرض تدور حول محورها وحول الشمس، وأن الشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم، وأن هناك عوالم أخرى اكتشفت حديثًا تقابل العوالم القديمة على سطح الأرض الكروي وهي الأمريكتان واستراليا، وقد صور القرآن الكريم هذه الحقائق العلمية منذ خمسة عشر قرنًا، لكن العرب قديمًا لم يفطنوا إليها ولم يستطيعوا تفسيرها حتى يقفوا على حقيقة المشرقين والمغربين، لأن الشروق عندهم في جهة واحدة وهي الشرق، وكذلك الغروب في جهة الغرب، وقد ظهر لنا حديثًا أن العوالم لم يكن لها مشرق واحد بل مشرقان، وكذلك لها مغربان، بل للعوالم مشارق ومغارب لأن كروية الأرض تجعل بعض العوالم في قارات آسيا وإفريقيا وأوربا تشرق عليها الشمس جميعًا في وقت واحد تقريبًا وهو جهة الشرق، ويطلق عليها "مشرقًا" وهي نفسها تسمى