يدلَّان معًا على المشاركة والمفاعلة والمجاهدة والمقاومة والتصدِّي والتحدِّي، وغيرها من المعاني التي تتولَّد من المفاعلة، وتتأتَّى من جوانب مختلفة لا من جانب واحد.
وجاء أحد مصدري "صام" على صيغة الفعال والمفاعلة وهو: "صيام" دون "صوم"؛ ليدل على معاني المفاعلة؛ فلفظ الصيام قد احتوى المعاني العامة السابقة بل وأكثر؛ ليستمدَّ مضمونه من روافد التشريع الإسلامي لفريضة الصيام، ولا توجد معاني المفاعلة في مصدر الصوم، وهو المصدر الآخر للفعل صام.
لهذا كان الإعجاز في القرآن الكريم حين صور هذا الركن من الأركان الخمسة، التي بنى عليها الإسلام، وهو صيام رمضان صوره بمصدر "الصيام"، لا بمصدر "ألصوم"؛ ليتسع بمضمونه الحيوي لمعاني المفاعلة والمشاركة والمجاهدة وغيرها؛ فيكون بذلك خير وعاء لغوي للبناء الأخلاقي والبناء الجسدي، وهما الغاية السامية التي يهدف إليها التشريع الإسلامي من فريضة الصيام.
فالتصوير القرآني لهذه الفريضة في شهر رمضان بالصيام، وما يتبعها من فرائض وواجبات، مثل صيام الكفارات هو الإعجاز، الذي تحدَّى به العرب في لغتهم، ليكون البشر دونه بكثير مهما بلغ الدرجة العليا فيما بينهم، فقد انعقد الإجماع قديمًا وحديثًا على أن أفصح العرب بلاغة وقولًا هو رسول الله -صلى الله عليه وسلم، فانقادت له طوعًا جوامع الكلم في حديثه النبوي الشريف؛ لكنه مع الدرجة العليا من البلاغة دون القرآن الكريم، لأن القرآن الكريم دائمًا يتفرَّد بالإعجاز.