ومن المعروف أن المطلع على المنظر المخيف يعتريه الخوف أولًا ثم يفرُّ بعد ذلك، مما يتوهم أن هذه الصورة القرآنية في الظاهر تخالف الواقع، لكن المتأمل قليلًا يجدها تصور الحقيقة والواقع معًا، لأن المناظر الرهيبة تبث أوائل الفزع، وهذا يكفي ليكون حافزًا للفرار والجري، وكلما تخيل فظاعة المنظر ازداد خوفًا وجريًا، فيتكاثر الرعب في القلب حتى يتملئ عن آخره، لذلك عبرت الصورة القرآنية، بالامتلاء، لا بمجرد الخوف، لأن أول الخوف معلوم للمتلقي، فلايحتاج إلى ذكره بلاغة وإيجازًا، فقال تعالى:{وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا} ، إنه الإعجاز القرآني في التصوير البديع الرباني:{قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا}[الإسراء: ٨٨] .