للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

{وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا} [الكهف: ٦٠] ، وتجدها أيضًا في كثرة المدات وحروف اللين كالألف والواو والياء، وما يقتضيه التجويد من المد إلى ست حركات للحرف المسبوق بهمزة، فهذا التثاقل الموسيقي يتلاءم مع رحلة العلم الشاقة في القصة كلها، قال تعالى: {فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا} [الكهف: ٦٢] ، وتكون الموسيقى القرآنية أشدّ تثاقلًا مع الشدات؛ التي يتوقف عندها النطق، معاناة في النطق والصوت: {هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا} [الكهف: ٦٦] .

وفي العادة أن ينوب الأستاذ المتبوع عن الطالب التابع في الحديث، لكن الموسيقى القرآنية هنا تقتضي التثنية لتزداد المعاناة والمشقة، ليكون الإيقاع أكثر ثقلًا وبطئًا، مثل: بلغا -بينهما- نسيًا- حوتهما- جاوزا- انطلقا، وغيرها: {فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا} [الكهف: ٧١] ، وكذلك ما يقتضيه المقام من الإيقاع الموسيقي في تصوير الرحلة منذ البداية حتى قبيل النهاية في كلمات طويلة كثيرة الحروف لا تختصر مثل كلمة "تستطيع"، فقد تكررت بدون حذف كثيرًا.

فلما أوشكت الرحلة أن تنتهي قبيل الفراق لعدم صبر موسى -عليه السلام- والتزامه، خف الإيقاع بحذف اللين الطويل في قوله تعالى: {قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا} [الكهف: ٧٨] ، فلما أراد الخضر أن يتخلى عنه تمامًا بعد أن شرح له المشاهد الثلاثة، جاءت الكلمة بدون الياء والتاء: {ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا} [الكهف: ٨٢] .

<<  <   >  >>