للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

منابع التصوير القرآني:

مثل هؤلاء المنافقين الذين باعوا أنفسهم وخسروا الدنيا والآخرة، مثلهم "كمثل" فأصبحوا مثلًا يضرب كالأمثال في الدناءة والحقارة والسوء، على عكس المثل الطيب، الذي يضرب في الرفعة والعزة والحسنى، كمثل الكلمة الطيبة ومثل الصحابة -رضي الله عنهم- في قوله تعالى: {ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} [الفتح: ٢٩] .

وزاد من حقارتهم أن القرآن عرضهم في صورة المبهم، لا الاسم الصريح وهو "الذي"، فالموصول اسم مبهم لا يتضح إلا بصلة، وفي "استوقد" يجد المنافق، ويبذل أقصى طاقته، ويجمع كل قواه في طلب الوقود والنار، مما يدل على حرصه الشديد لتحصيل "نار"، لا النار ولا النيران؛ فهو يتعلق بأنفه الأشياء وصغائر النيران، لا بكبريات الأمور على حد قول الشاعر أبي تمام:

لا تنكري عطل الكريم وإنما ... السيل حرب في المكان العالي

فقد دعاه الخوف الشديد أن يستأنس بنار خافتة صغيرة الحجم؛ لأن التنكير يدل على الخفوت والتحقير والصغار، ومع هذه الضآلة، إلا أن هذه النار تُعدُّ مفاجأة له، وكسبًا كبيرًا؛ لأنها تُعالج ما يعتريه من قلق وحيرة، وهذه المعاني تُوحي بها كلمة "فلما" وما أروع التعبير

<<  <   >  >>