للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا} ، وتأمل معي التصوير بـ "كلما"، فهي تصور عدم الاستقرار ومتابعة القيام لا القعود، فهم دائمًا قيام لا قعود، ثم ذلك الوعيد الشديد من الله -عز وجل- بأنه وحده هو القادر على أن يذهب بأبصارهم وأسماعهم؛ فلا يبصرون ولا يسمعون ولكن الله أراد أن يعذبهم بها على النحو السابق؛ لأن الإنسان حينما تذهب عنه هذه النعم مرة واحدة، ينسى أمرها ويصير شيئًا عاديًّا؛ فإذا ما ترددت بين الذهاب والعودة، يكو العذاب أشد وأنكى:

لا يعرف الشوق إلا من يكابده ... ولا الصبابة إلا من يعانيها

عناصر التصوير القرآني في الصور الثلاث:

كأن التصوير القرآني البديع يطل من بين الكلمات والألفاظ والصور الحية لهما، وما تمتلئ في حواشيها من محسنات واقعية، يعيشها الإنسان مع الطبيعة والكون والحياة، فإذا ما تسلَّطت عليها أضواء الكون، وظلال الطبيعة، ونبضات الروح ودقاته، ازداد التصوير القرآني إبداعًا، فكان وقعه على النفس أقوى وأشدّ؛ لانسجام عناصر التصوير مع منابعه القوية المؤثرة، فتتلاحم المعاني مع الأضواء والظلال؛ لتعطي صورة حية محسوسة من الكون والحياة والناس، فتأمل معي:

المرارة والقتامة في "الضلالة"، والحلاوة والنور في "الهدى"، والقلة وضآلة الحجم في "نار" وضخامته في "الظلمات"، والمعاناة الشديدة والتباطؤ الوئيد في الإيقاع الصوتي لقوله تعالى: {الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ} ، فالشدات والمدات وحروف اللين تصور إيقاعات صوتية بطيئة، تنقل حالة المنافق وهو تائه فيحيرته وتردده

<<  <   >  >>