للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَالَ: «إِنِّي لَأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وَأَعْلَمُكُمْ بِحُدُودِهِ» . وَالْآثَارُ في هذا أعظم من أن يحيط بها. لَكِنَّهُ يُعْلَمُ مِنْ مَجْمُوعِهَا عَلَى الْقَطْعِ اتِّبَاعُهُمْ أَفْعَالَهُ وَاقْتِدَاؤُهُمْ بِهَا وَلَوْ جَوَّزُوا عَلَيْهِ الْمُخَالَفَةَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا لَمَا اتَّسَقَ هَذَا، وَلَنُقِلَ عَنْهُمْ، وَظَهَرَ بَحْثُهُمْ عَنْ ذَلِكَ. وَلَمَا أَنْكَرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْآخَرِ قَوْلَهُ وَاعْتِذَارُهُ بِمَا ذَكَرْنَاهُ.

- وَأَمَّا الْمُبَاحَاتُ «١» فَجَائِزٌ وُقُوعُهَا مِنْهُمْ إِذْ لَيْسَ فِيهَا قَدْحٌ.

بَلْ هِيَ مَأْذُونٌ فِيهَا وَأَيْدِيهِمْ «٢» كَأَيْدِي غَيْرِهِمْ مُسَلَّطَةٌ عَلَيْهَا.

- إِلَّا أَنَّهُمْ بِمَا خُصُّوا بِهِ مِنْ رَفِيعِ المنزلة، وبما شرحت لَهُ صُدُورُهُمْ مِنْ أَنْوَارِ «٣» الْمَعْرِفَةِ، وَاصْطُفُوا بِهِ من تعلق بالهم بِاللَّهِ وَالدَّارِ الْآخِرَةِ.. لَا يَأْخُذُونَ مِنَ الْمُبَاحَاتِ إِلَّا الضَّرُورَاتِ مِمَّا يَتَقَوَّوْنَ بِهِ عَلَى سُلُوكِ طَرِيقِهِمْ وَصَلَاحِ دِينِهِمْ وَضَرُورَةِ دُنْيَاهُمْ.

وَمَا أُخِذَ عَلَى هَذِهِ السَّبِيلِ الْتَحَقَ طَاعَةً وَصَارَ قُرْبَةً كَمَا بَيَّنَّا مِنْهُ- أَوَّلَ الْكِتَابِ طَرَفًا فِي خِصَالِ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

فَبَانَ لَكَ عَظِيمُ فَضْلِ اللَّهِ عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَى سَائِرِ أَنْبِيَائِهِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ، بِأَنْ جَعَلَ أَفْعَالَهَمْ قُرُبَاتٍ وَطَاعَاتٍ بَعِيدَةً عَنْ وَجْهِ الْمُخَالَفَةِ وَرَسْمِ المعصية.


(١) المباح هو ما يجوز فعله وتركه من غير ترجيح لجانب لتوسعهم فيه مأخوذ من باحة الدار أي عرصتها.
(٢) اليد مجاز عن الكسب والتصرف لانها الة الفعل غالبا لقوله بيده الملك أي له وبقبضته التصرف فيه.
(٣) وفي نسخة (انواع) .

<<  <  ج: ص:  >  >>