للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرَّأْيُ وَالْحَرْبُ وَالْمَكِيدَةُ.. قَالَ: فَإِنَّهُ لَيْسَ بِمَنْزِلٍ.. انْهَضْ حَتَّى نَأْتِيَ أَدْنَى مَاءٍ مِنَ الْقَوْمِ فَنَنْزِلَهُ، ثُمَّ نُغَوِّرَ مَا وَرَاءَهُ مِنَ الْقَلْبِ «١» . فَنَشْرَبَ وَلَا يَشْرَبُونَ. فَقَالَ: «أَشَرْتَ بِالرَّأْيِ» وَفَعَلَ مَا قَالَهُ.

وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ: «وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ «٢» » . وأراد مصالحة بعض عدوه على ثلث تمر الْمَدِينَةِ «٣» فَاسْتَشَارَ الْأَنْصَارَ «٤» .

فَلَمَّا أَخْبَرُوهُ بِرَأْيِهِمْ رَجَعَ عَنْهُ. فَمِثْلُ هَذَا وَأَشْبَاهِهِ مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا الَّتِي لَا مَدْخَلَ فِيهَا لِعِلْمِ دِيَانَةٍ، وَلَا اعتقادها، ولا تعليمها يجوز عليه فيها مَا ذَكَرْنَاهُ.. إِذْ لَيْسَ فِي هَذَا كُلِّهِ نَقِيصَةٌ وَلَا مَحَطَّةٌ، وَإِنَّمَا هِيَ أُمُورٌ اعْتِيَادِيَّةٌ يَعْرِفُهَا مَنْ جَرَّبَهَا وَجَعَلَهَا هَمَّهُ. وَشَغَلَ نَفْسَهُ بِهَا وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَشْحُونُ الْقَلْبِ بِمَعْرِفَةِ الرُّبُوبِيَّةِ، مَلْآنُ الْجَوَانِحِ «٥» بِعُلُومِ الشَّرِيعَةِ، قصيد الْبَالِ بِمَصَالِحِ الْأُمَّةِ الدِّينِيَّةِ وَالدُّنْيَوِيَّةِ.

وَلَكِنْ هَذَا إِنَّمَا يَكُونُ فِي بَعْضِ الْأُمُورِ وَيَجُوزُ فِي النادر.

وفيما سَبِيلُهُ التَّدْقِيقُ فِي حِرَاسَةِ الدُّنْيَا وَاسْتِثْمَارِهَا، لَا في الكثير المؤذن بالعلة، والغفلة.


(١) القلب: جمع قليب وهو البئر الذي لم تبن أطرافه بالحجارة.
(٢) الاية ١٥٩ آل عمران.
(٣) وذلك في غزوة الخندق.
(٤) المستشار منهم سعد بن معاذ وسعد بن عبادة رضي الله تعالى عنهم.
(٥) الجوانح: جمع جانحة وهي الضلوع التي تلي الصدر.

<<  <  ج: ص:  >  >>