للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَإِنْ قُلْتَ: فَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ «١» عَنْ عَائِشَةَ «٢» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: «أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا انْتَقَمَ لِنَفْسِهِ فِي شَيْءٍ يُؤْتَى إِلَيْهِ قَطُّ إِلَّا أَنْ تُنْتَهَكَ حُرْمَةُ اللَّهِ فَيَنْتَقِمَ لِلَّهِ» .

فَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا لَا يَقْتَضِي أَنَّهُ لَمْ يَنْتَقِمْ مِمَّنْ سَبَّهُ أَوْ آذَاهُ أَوْ كَذَّبَهُ، فَإِنَّ هَذِهِ مِنْ حُرُمَاتِ اللَّهِ الَّتِي انْتَقَمَ لَهَا، وَإِنَّمَا يَكُونُ ما لا ينتقم منه لَهُ فِيمَا تَعَلَّقَ بِسُوءِ أَدَبٍ، أَوْ مُعَامَلَةٍ من القول والفعل بِالنَّفْسِ «٣» وَالْمَالِ مِمَّا لَمْ يَقْصِدْ فَاعِلُهُ بِهِ أَذَاهُ لَكِنْ مِمَّا جُبِلَتْ عَلَيْهِ الْأَعْرَابُ مِنَ الْجَفَاءِ وَالْجَهْلِ «٤» ، أَوْ جُبِلَ عَلَيْهِ الْبَشَرُ مِنَ السفه «٥» كجبذ «٦» الأعرابي رداءه حَتَّى أَثَّرَ فِي عُنُقِهِ «٧» ، وَكَرَفْعِ صَوْتِ الْآخَرِ «٨» عِنْدَهُ، وَكَجَحْدِ الْأَعْرَابِيِّ «٩» شِرَاءَهُ مِنْهُ فَرَسَهُ «١٠» الَّتِي شهد فيها


(١) من رواية البخاري وغيره.
(٢) تقدمت ترجمتها في ج ١ ص «١٤٦» رقم «٥» .
(٣) وفي نسخة (في النفس) .
(٤) كما قال تعالى: (الاعراب أشد كفرا ونفاقا واجدر الا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله) .
(٥) وروي (الغفلة) .
(٦) جبذ: أي جذب.
(٧) وقال: «- كما في البخاري- مرلي من مال الله الذي عندك» .
(٨) قال الحلبي: «يحتمل ان يكون ثابت بن قيس بن شماس» .
(٩) وهو سواد بن قيس المحاربى، وقيل: «سواد بن الحارث» .
(١٠) المسمى بالمرتجز وكان ابيض، وقيل النجيب.

<<  <  ج: ص:  >  >>