فسيرته عليه الصلاة والسلام تقدم الينا نماذج سامية للشاب المستقيم في ذاته، الأمين مع قومه وأصحابه، وللإنسان الداعية إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، الباذل منتهى طاقته في سبيل إبلاغ رسالته. ولرئيس الدولة الذي يسوس الأمور بحذق وحكمة بالغة، وللزوج المثالي في حسن معاملته والأب في حنو عاطفته مع تفريق دقيق بين الحقوق والواجبات لكل من الزوجة والأولاد، وللقائد الحربي الماهر والسياسي الصادق المحنك، وللمسلم الجامع بين واجب التعبد والتبتل لربه، والمعاشرة الفكهة اللطيفة مع أهله وأصحابه.
لا جرم إذا أن دراسة سيرة النبي صلّى الله عليه وسلم إنما هي تفهم لهذه الجوانب الانسانية كلها مجسدة في أرفع نموذج وأتم صورة» «١» .
إن السيرة التي يحق لصاحبها أن تتخذ الناس من حياته اسوة حسنة ومثلا أعلى يجب أن تكون متصفة بالصفة التاريخية الصحيحة.
أما السيرة التي حاكتها الاساطير وتفشت منها الخرافات فانها لا تملك قدرة السيطرة على القلوب والنفوس ومن ثم لا يستطيع الناس أن يتأسوا ويتقيدوا بها ونحن معشر المسلمين نؤمن برسالات الأنبياء كلها ونؤمن بهم ونتعرف على جوانب حياتهم ودعوتهم من خلال القرآن الكريم والسنة المطهرة بعد أن عض الزمان والنسيان على سيرتهم التاريخية؟ وبعد أن تلاعبت الايدي بالمسخ والنسخ فيها.
ونؤمن بالأنبياء كلهم مع علمنا بأنهم مجاهدون رتبة ومكانة ونحن نرى من عرض سير الانبياء والرسل ان صحة الأسانيد وبقاءها محفوظة لم يتاحا لسيرة واحد منهم مثلما اتيح لسيرة سيدنا محمد صلّى الله عليه وسلم.
(١) نقلا عن كتاب فقه السيرة للدكتور محمد سعيد رمضان البوطي ص ١٩.