تلقى إنسلم دراسة الكتاب المقدس منذ نعومة أظفاره، ثم انقطع لطلب العلم فترة طويلة استطاع أن يصحب فيها أساطين العلم بالديانة النصرانية أمثال نقلاد مارتيل الذي كانت له منزلة في العلم والدين رفيعة جدا. وقد قرأ هذا الرجل علم أصول الدين النصراني وأحكامه، ولم يزل يتقرّب إليه بخدمته حتى صار أخصّ خواصه ومكث على ذلك عشر سنين. ثم أصاب القس الكبير مرض، فتخلف عن مجلسه العلمي.
وتذاكر أهل المجلس في مسائل إلى أن أفضى بهم الكلام إلى قول عيسى عليه السلام:" يأتي من بعدي البارقليط"" فبحثوا في تعيين هذا النبي، وقال كلّ منهم بحسب علمه وفهمه.
يقول إنسلم: " فأتيت مسكن صاحب الدرس، فأخبرته باختلاف القوم.
فقال: إنّ تفسير هذا الاسم الشريف لا يعلمه إلا الراسخون في العلم، وأنتم لم يحصل لكم من العلم إلا القليل.
فبادرت إلى قدميه أقبلهما، وقلت له: يا سيدي قد علمت أني ارتحلت إليك من بلد بعيد، ولي في خدمتك عشر سنين، حصّلت عنك فيها من العلوم جملة لا أحصيها، فلعلّ من جميل إحسانكم أن تكمل علمي بمعرفة هذا الاسم الشريف.
فبكى وقال: ولدي، والله إنّك لتعزّ عليّ كثيرا من أجل خدمتك لي وانقطاعك إليّ، وإنّ في معرفة هذا الاسم فائدة عظيمة، لكن أخاف أن يظهر ذلك عليك، فتقتلك النصارى.
فقلت له: والله العظيم، وحقّ الإنجيل ومن جاء به، لا أتكلّم بشيء مما تسرّه لي إلا عن امرك.
فقال: اعلم يا ولدي أنّ البارقليط اسم من اسماء نبي الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم، وعليه أنزل الكتاب الرابع المذكور على لسان دانيال، فقد أخبر أنه سينزل هذا الكتاب عليه، وأنّ دينه دين الحقّ، وملّته هي الملّة البيضاء المذكورة في الإنجيل.