إذا حكم البخاري بأن حديث رفع اليدين بعد الركعتين مرفوع إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، واعتمد عليه من حديث ابن عمر في صحيحه وحكم عليه الإمام أحمد بالوقف تقلد من من المتقدمين؟ إن كان المقصود تقليد المتقدمين في كل حديث حديث فلا شك أنه مستحيل؛ لأن أحكام المتقدمين متباينة في الأحكام على الحديث، بل وفي أحكامهم على الرجال، فمن نقلد من المتقدمين؟ إن كان المقصود محاكاة المتقدمين في أحكامهم على الأحاديث فنقول: كلام جميل وطيب وممكن، لكن كيف مبتدئ؟ كيف يحاكي المتقدمين فيحكم على الحديث بالقرائن وهو ما يعرف القرائن؟ قد يكون الشاهد لهذا الحديث أو المتابع لهذا الحديث بعد ورقة من الحديث الذي يدرسه، وهو لا يعرفه ولم يطلع عليه، كيف يحكم على الأحاديث بالقرائن؟ نقول: لا بد من معاناة كتب المتأخرين، وإدامة النظر فيها وفهمها وإتقانها ثم بعد ذلكم التمرين والتخرج على هذه الكتب بالإكثار من تخريج الأحاديث، ودراسة أسانيدها، وجمع طرقها وشواهدها ومتابعاتها، ثم بعد ذلكم إذا تأهل الطالب يقال له: فرضك محاكاة المتقدمين ولا تقلد المتأخرين، ونظير هذه الدعوى دعوى سبقتها بأكثر من عشرين سنة تدعو إلى نبذ كتب الفقه والتفقه مباشرة من الكتاب والسنة، لا نختلف مع أحد في أن الأصل الكتاب والسنة، وأنه لا علم إلا من الكتاب والسنة، لكن كيف يتفقه الطالب المبتدئ من الكتاب والسنة؟ هل لديه من الأهلية ما يمكنه من ذلك؟ هل حفظ من النصوص ما يدفع به التعارض ويتمكن من الجمع بينها؟ هل عرف المطلق والمقيد، والناسخ والمنسوخ، والعموم والخصوص؟ هذا الطالب الذي يخاطب بمثل هذا الكلام، اترك كتب الفقه، هذه أقوال الرجال، بل وجد من أحرق بعض الكتب كالزاد وغيره، ويتندرون بطلاب العلم ويقولون لمن حفظ الزاد: صار حكماً بين العباد، مبالغة في التنفير من هذه الكتب، نقول: لا، الطالب المبتدئ لا بد أن يتفقه على الجادة، فيفهم الزاد، أو غيره من الكتب، من غير إلزام بكتاب معين، المقصود أنه يسلك الجادة، يأتي إلى الزاد وهو على سبيل المثال من أجمع الكتب، والزاد من أجمع الكتب وأكثرها مسائل، يأتي إليه الطالب فيفهم المسائل، إن كان ممن تسعفه الحافظة فيحفظ وإلا