والوجه العاشر من أوجه الطعن في الراوي سوء الحفظ: والحفظ يطلق على الحراسة والاستظهار، يقال: حفظت الشيء حفظاً أي حرسته، وحفظته بمعنى استظهرته وهو التعاهد وقلة الغفلة، والتحفظ قلة الغفلة في الكلام، والتيقظ من السقطة، ورجل حافظ، وقوم حفاظ وهم الذين رزقوا حفظ ما سمعوا، وقل ما ينسون شيئاً يعونه، ويطلق الحفظ على هيئة النفس التي بها يثبت ما يؤدي إليه الفهم، ويطلق الحفظ على هيئة النفس التي بها يثبت ما يؤدي إليه الفهم، يعني الحفظ يطلق على الغريزة الحافظة، كما يطلق على ضبط الشيء في النفس، ويضاده النسيان ثم هو أيضاً يستعمل في كل تفقد وتعهد ورعاية، كل هذا يقال له: حفظ، حفظ الأمانة حفظ، حفظ المتاع حفظ، حفظ المحفوظ في الصدر حفظ، والمراد به هنا ما يقابل النسيان، وهو ضبط الشيء في النفس، وسوء الحفظ قلته ورداءته.
لا شك أن الناس يتفاوتون في هذه الملكة التي هي ملكة الحفظ، يتباينون تبايناً كبيراً، فمن الناس من رزقه الله تميز في هذه الجهة فيحفظ الكلام لأول مرة، ومنهم من يحفظ من مرتين، ومنهم من يحفظ بثلاث، ومنهم من يحفظ لخمس، ومنهم من يحفظ لعشر، ومنهم من لا يحفظ ولا لمائة، لا شك أن الناس يتفاوتون، يوجد في السلف من يحفظ الكلام الكثير بمجرد سماعه، بل وجد منهم من يدخل أصبعيه في أذنيه إذا دخل السوق لئلا يحفظ كل ما يقال من خير وشر، الشعبي -رحمه الله تعالى- عرف عنه قوة الحفظ، كثير من السلف يحفظون، ووجد من يحفظ القضايا بلغاتها.