المقصود أن هذه الملكة نعمة وهي تزيد بالتمرين، قابلة للزيادة فلا يأس، كما أنها تضعف بالإهمال، يعني شخص أهمل الحافظة سنين، ثم يريد أن يحفظ نعم بالتدريج تعود وبالتمرين تزيد، وإن كان الأصل أن قوي الحافظة قوي الحافظة، ضعيف الحافظة ضعيف، لكن هذا بإهماله تضعف حافظته، وذاك بمثابرته تزيد حافظته، فأهل العلم يذكرون طرق للحفظ فيذكرون الظروف المناسبة والأوقات المناسبة للحفظ، فيجعلون أول النهار أنسب وقت للحفظ، يعني إذا أخذ القدر الكافي من النوم واستجم ذهنه وفكره، فإنه أكثر استعداداً للحفظ من آخره بعد مزاولة الأعمال، المكان الضيق للحفظ أنسب من المكان الفسيح الواسع، الترديد والتعاهد مع الفهم يعين على الحفظ، فهم الكلام المراد حفظه يعين على الحفظ.
السلف كانوا يأخذون العلم بالتدريج، فيقرءون عشر آيات ويفهمونها ويحفظونها ولا يتجاوزونها إلى غيرها حتى يعرفوا ما فيها من علم وعمل، وذكروا في آداب المتعلم أن الإنسان إذا أراد أن يحفظ يحدد القدر الذي يغلب على ظنه أن حافظته تسعفه في حفظه، فلنقل مثلاً: خمس آيات، عشر آيات، ثم يردد هذه العشر آيات حتى يحفظها في اليوم الأول، ويجزم أنه ضبطها وأتقنها، من الغد يراجع ما حفظه بالأمس خمس مرات، ثم يحفظ نصيب اليوم حتى يجزم بأنه ضبطه وأتقنه، في اليوم الثالث يقرأ نصيب اليوم الأول أربع مرات، ونصيب اليوم الثاني بالأمس خمس مرات، ثم يأتي إلى وظيفة اليوم حتى يضبطها ويتقنها، وفي اليوم الرابع يأتي إلى نصيب اليوم الأول يراجعه ثلاث مرات، ونصيب اليوم الثاني أربع مرات، ونصيب اليوم الثالث خمس مرات، ثم بعد ذلك يأتي إلى نصيب يومه وهكذا، حتى في اليوم الخامس ينتهي من نصيب اليوم الأول، ما يراجعه خلاص ما يحتاج إلى مراجعة، في اليوم السادس نصيب اليوم الثاني ما يحتاج إلى مراجعة، في اليوم السابع نصيب .. وهكذا، يقولون: بهذه الطريقة يثبت الحفظ، وليبدأ طالب العلم بالأهم.
بالمهم المهم ابدأ لتدركه ... وقدم النص والآراء فاتهمِ
لا بد من البداءة بالمهم؛ لئلا يضيع الوقت وأنت ما حصلت شيء، فلتكن البداءة بكتاب الله -عز وجل-، وسنة رسوله -عليه الصلاة والسلام-، وما يعين على فهم هذين المصدرين.