نعم يقول الحافظ -رحمه الله تعالى-: "ثم سوء الحفظ إن كان لازماً فهو الشاذ على رأي، أو طارئاً فالمختلط"، سوء الحفظ وهو السبب العاشر من أسباب الطعن في الراوي، وتقدم الحديث في الحفظ وسوئه وأقسامه.
الغرض هنا حكم رواية سيء الحفظ، فإن كان من النوع الأول اللازم للراوي فحديثه مردود لضعف الراوي بسبب عدم غلبة الظن لحفظه ما روى، والضبط كما تقدم شرط من شروط القبول، وسوء الحفظ يناقض الضبط، وإن كان من النوع الثاني وهو الطارئ كان حافظاً ضابطاً ثم طرأ عليه سوء الحفظ هذا يسمى الاختلاط، فإن تميز حديث المختلط، إن تميز ما حدث به قبل الاختلاط قبل، وإن لم يتميز توقف فيه وكذا من اشتبه الأمر فيه، الرواة الذين طرأ عليهم ما طرأ وتغير حفظهم وساءت حوافظهم واختلطوا مثل هؤلاء إذا تميز ما كان قبل الاختلاط وما بعده يقبل ما قبل الاختلاط ويرد ما بعده، إن اشتبه ولم يعرف متى اختلط؟ ومن روى عنه قبل الاختلاط؟ ومن روى عنه بعد الاختلاط؟ فإن هذا يتوقف فيه، ويعرف ذلك باعتبار الآخذين عنه ليعلم متى أخذوا؟ أو أين أخذوا؟ أو كيف أخذوا؟ فمنهم من سمع منه قبل الاختلاط فقط، ومنهم من سمع بعد الاختلاط فقط، ومنهم من سمع في الحالين، فحديث الأول مقبول، وحديث الثاني مردود، وحديث الثالث فيه تفصيل، من سمع منه قبل الاختلاط فقط حديثه مقبول، من سمع منه بعد الاختلاط فقط حديثه مردود، من سمع منه في الحالين قبل الاختلاط وبعده فيه تفصيل.
ومثال ذلك: عطاء بن السائب: اختلط في آخر عمره، فممن سمع منه قبل الاختلاط شعبة وسفيان الثوري، وممن سمع منه بعد الاختلاط جرير بن عبد الحميد، وممن سمع منه في الحالين معاً أبو عوانة، فحديث شعبة وسفيان عن عطاء بن السائب مقبول؛ لأن الرواية كانت قبل الاختلاط، وحديث جرير بن عبد الحميد عن عطاء بن السائب مردود؛ لأن روايته عنه بعد الاختلاط، وحديث أبي عوانة عن عطاء بن السائب مردود؛ لأنه سمع منه في الحالين ولم يتميز.