للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لأنه رتب عليه عقوبة {أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} ما دام رتب عليه عقوبة فالمراد به الوجوب، ولو لم يرتب عليه عقوبة لكان للاستحباب، فالأمر هنا مطلق، مجرد عن قرائن وعن صوارف، إذاً هو للوجوب، كما في هذه الآية، وكما في الحديث: ((لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم)) دل على أن الأمر إذا أطلق ينصرف إلى الوجوب، أو دلالته على الوجوب، إلا إذا وجد صارف، ولو لم يكن كذلك لما رتّب عليه عقوبة، وأمر الاستحباب بالنسبة للسواك ثابت فلم يبق من الأمر المنفي إلا أمر الوجوب.

ووجهها أن الله -تبارك وتعالى- قد حذر من مخالفة أمره، وتوعد بالعقاب عليها بقوله: {أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} فتحرم مخالفته، فيجب امتثال أمره، والفتنة هنا القتل، قاله ابن عباس، وقال عطاء: الزلازل والأهوال، وقال جعفر بن محمد: سلطان جائر يسلط عليهم، وقيل: الطبع على القلوب بشؤم مخالفة الرسول.

ولا يمنع أن تجتمع هذه الأمور، بل غير هذه الأمور مما هو أشد منها.

والضمير في {أَمْرِهِ} قيل: هو عائد إلى أمر الله تعالى، قاله يحيى بن سلام، وقيل: إلى أمر رسوله -عليه السلام- قاله قتادة، ومعنى {يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ} أي يعرضون عن أمره، وقال أبو عبيدة والأخفش: (عن) في هذا الموضع زائدة، وقال الخليل وسيبويه:

يعني في الأصل: فليحذر الذين يخالفون أمره، يرونها زائدة، لكن الصواب أنها ليست بزائدة، كما قال الخليل وسيبويه.

وقال الخليل وسيبويه: ليست بزائدة، والمعنى يخالفون بعد أمره، كما قال: لم تنتطق عن تفضل، ومنه قوله: {فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ} [(٥٠) سورة الكهف] أي بعد أمر ربه، و (أن) في موضع نصب بـ (يحذر) ولا يجوز عند أكثر النحويين حذر زيداً، وهو في (أن) جائز؛ لأن حروف الخفض تحذف معها.

قوله تعالى: {أَلَا إِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قَدْ يَعْلَمُ مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ وَيَوْمَ يُرْجَعُونَ إِلَيْهِ فَيُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [(٦٤) سورة النور].

<<  <  ج: ص:  >  >>