"دبغ أو لم يدبغ" يعني لا فرق فهو نجس سواءً كان مدبوغاً أو غير مدبوغ، وهذه المسألة مسالة خلافية بين أهل العلم، فمنهم من يرى عكس ما قاله المؤلف، كل جلد ميتة دبغ أو لم يدبغ فهو طاهر، وهذا ينسب للزهري، ومنهم من يمنع بإطلاق كما قال المؤلف، وهو المشهور عند الحنابلة، ومنهم من يفرق بين مأكول اللحم فيفيد فيه الدبغ، وبين غيره فلا يفيد فيه الدبغ، ومنهم من يرى أن كل جلد ميتة دبغ فإنه يطهر، وما لم يدبغ فإنه نجس، ومنهم من يفرق بين جلود السباع وبين غيرها، ومنهم من يعمم ولا يستثني إلا الكلب والخنزير، ومنهم من لا يستثني إلا الخنزير، الذي قرره المؤلف:"وكل جلد ميتة دبغ أو لم يدبغ فهو نجس" عمدته حديث عبد الله بن عكيم أنه قال: جاءنا كتاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قبل موته بشهر أو شهرين ألا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب، لا تنتفعوا من الميتة بشيء، إهاب يعني جلد ولا عصب، هذه عمدة هذا القول، وأيضاً الجلد جزء من الميتة نجاسته عينية لا يمكن تطهيره كلحمها، والله -جل وعلا- يقول:{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} [(٣) سورة المائدة] وجلدها منها، هذه أدلة من يرى هذا الرأي، والذي يقول بطهارة الجلود كلها سواءً دبغت أو لم تدبغ وهو القول المنسوب إلى الإمام محمد بن شهاب الزهري لعله لم يبلغهم مثل هذه الأخبار، لا سيما وأن حلها معلق بالدبغ، وفي الأحاديث الصحيحة ما يدل على التفريق بين المدبوغ وغيره ((أيما إهاب دبغ فقد طهر)) وفي حديث الشاة التي أهديت لمولاة ميمونة فماتت ورموها قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((هلا انتفعتم بإهابها؟ )) قالوا: إنها ميتة، فقال -عليه الصلاة والسلام-: ((إنما حرم أكلها)) وفي رواية: ((يطهرها الماء والقرض)) هذا النص ورد في شاة يستدل به من يقول: إن جلد مأكول اللحم يطهر، وأما ((أيما إهاب دبغ فقد طهر)) فيستدل به من يرى طهارة جميع الجلود إذا دبغت، سواءً كانت مأكولة أو غير مأكولة، ولا يستثنى من ذلك شيء، والنهي عن جلود السباع واستعمالها واتخاذها ثابت، فبعضهم يستثنيها من العموم الوارد في مثل قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((أيما إهاب دبغ فقد طهر)) لأنه ورد النهي عن اتخاذها واستعمالها