الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
"ولا يستحب أبو عبد الله أن يؤذن إلا طاهراً، فإن أذن جنباً أعاد" ولا يستحب أبو عبد الله المراد به الإمام أحمد بن محمد بن حنبل، صاحب المذهب الذي الكتاب المدروس في فقهه.
"ولا يستحب أبو عبد الله أن يؤذن إلا طاهراً" لأنه يلزم على عدم الطهارة الخروج من المسجد بعد الأذان، ويخشى أن يتناوله حديث عمار:"من خرج بعد الأذان فقد عصى أبا القاسم""أما هذا فقد عصى أبا القاسم" وجاء أيضاً في الموطأ عن بعض التابعين: "وقد رأيتنا وما يخرج من المسجد بعد الأذان إلا منافق" هذا كلام شديد، ونرى الناس يتساهلون في هذا، ولذا لا يستحبون للمؤذن أن يؤذن إلا على طهارة؛ لئلا يحتاج إلى الخروج من المسجد، لكن لو أذن من غير طهارة صح الأذان، وإن كان له عذر بأن جاء متأخراً من مكان بعيد، فلو دخل بيته وتوضأ وتأخر على الأذان مثل هذا يؤذن ثم يتوضأ، هذا بالنسبة للطهارة الصغرى من الحدث الأصغر، أما إذا كان جنباً فالمسألة أشد، لا سيما إذا كان الأذان في المسجد؛ لأنه لا يجوز للجنب أن يدخل المسجد إلا عابر سبيل.
يقول:"فإن أذن جنباً أعاد" اعتمد المؤلف هذه الرواية التي جماهير أهل العلم على خلافها، الرواية الأخرى الموافقة لقول أكثر أهل العلم أن أذانه صحيح، ولا يلزمه الإعادة، ولو كان جنباً إلا أن الجنب أسوأ من المحدث، وأمره أشد، فإذا كان أذان المحدث حدثاً أصغر الذي يسوغ له الدخول في المسجد والبقاء فيه مفضولاً عند أهل العلم لما يترتب عليه من الخروج للطهارة، فلا شك أن الجنب الذي لم يؤذن له بدخول المسجد إلا عابر سبيل أشد، لكن الأذان صحيح، لماذا؟ لأن الجهة منفكة.