للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

على كل حال في الأمور التي لا خدش فيها ولا ارتكاب فيها لمحظور هذا ما فيه إشكال، ((خذوا عني مناسككم)) ((صلوا كما رأيتموني أصلي)) لكن في الأمور التي يترتب عليها محظور، لا شك أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، ما يؤتى بفريق يشاهد التغسيل ويقال: انظروا تعلموا التغسيل، لا، لا يحضر إلا من يعين في أمره ما دام يغسل، وسبق أن تحدثنا عن وسائل الإيضاح في كثير من المناسبات، وأن الناس توسعوا فيها توسعاً غير مرضي، وأنفقت فيها الأموال، ونتائجها ضعيفة، ولو قيل: إن كثيراً منها مردوده أقل من عدمه بكثير، والله المستعان، لكنها نظريات على ما قالوا تربوية وافدة، والذي يفد هذا يتلقى بالقبول من غير نظر ولا تدقيق، والإشكال أن الأمة في بعض عصورها تنظر إلى العدو نظرة المغلوب إلى الغالب، وتقتدي به؛ ليتحقق قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة)) اقتداء المغلوب بالغالب، يعني الانبهار بما عليه العدو، ومع الأسف الشديد أن العدو أخذ يتراجع عن بعض الأشياء، وما زلنا سائرين إلى أن نصل إلى الغاية التي وصلوا إليها، ثم رجعوا عنها، وهذه غفلة شديدة، يعني أشد المغفلين ما يدرك أن الإنسان إذا رجع عن شيء أنه مفضول، ما يصل إلى ما وصل إليه، يعني يصل الحد ببعض المغفلين -وهذا نادر جداً- أن تمدح له شيئاً ثم تذمه في المجلس نفسه، فيذهب ليشتريه بسبب المدح، ثم يبيعه بسبب الذم، وهذا واقعنا نحن، هذا واقعنا، فالوسائل التي توسعوا فيها حقيقة توسع غير مرضي، بذلت فيها الأموال، ونتائجها -إن كان هناك نتائج- فلا تفي بشيء مما يترتب عليها، وفي كثير من الأحوال مردودها أقل من عدمها.